﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ
بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً
مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٢) و (١٣)﴾
ثمّ لمّا بيّن الله معاملة الكفّار مع المؤمنين في ردّهم إلى الكفر ، بيّن مكالمتهم معهم في ضلالهم بقوله : ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من أهل مكّة مخاطبين ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ ردّعا لهم من الايمان ، واستمالة لقلوبهم إلى الكفر ﴿اتَّبِعُوا سَبِيلَنا﴾ واسلكوا في الدين مسلكنا ، وإن كان بعث وحشر ومؤاخذة ، وفرض لكم خطيئة وذنب من جهة التديّن بديننا ، فلنرفع عنكم آثامكم وذنوبكم ﴿وَلْنَحْمِلْ﴾ عنكم ﴿خَطاياكُمْ﴾.
فردّ الله عليهم بقوله : ﴿وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ وليسوا برافعين آثامهم من ظهورهم ﴿إِنَّهُمْ﴾ والله ﴿لَكاذِبُونَ﴾ في وعدهم ذلك ، لعدم قدرتهم على إنجازه. ﴿وَ﴾ البتة ﴿لَيَحْمِلُنَ﴾ هؤلاء القائلون يوم القيامة ﴿أَثْقالَهُمْ﴾ وأوزارهم التي عملوها في الدنيا ﴿وَأَثْقالاً﴾ اخر ﴿مَعَ أَثْقالِهِمْ﴾ من جهة إضلالهم الناس ، فيعذّبون بضلال أنفسهم وإضلالهم غيرهم من غير أن ينقص من عذاب الضالّين شيء ، كما ورد في الحديث :«من سنّ سنّة سيئة فعليه وزر من عمل بها من غير أن ينقص من وزره شيء»(١). ﴿وَ﴾ والله ﴿لَيُسْئَلُنَ﴾ هؤلاء الكفّار المضلّين ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ سؤال تقريع وتبكيت ﴿عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ ويختلقونه في الدنيا.
قيل : يقال لهم يوم القيامة : احملوا خطايا الذين أضللتموهم ، فلا يحملون ، فيسألون ويقال : لم افتريتم وكذّبتم(٢)؟
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ
الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ * فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً
لِلْعالَمِينَ (١٤) و (١٥)﴾
ثمّ لمّا ذكر الله سبحانه سعي الكفّار في إضلال المؤمنين وإيذائهم لهم على الايمان ، ودعوتهم إياهم إلى الكفر ، وكان ذلك ثقيلا على قلب حبيبه ، سلّاه بذكر دعوة اولي العزم من الرسل ، ومخالفة اممهم لهم بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا﴾ للدعوة إلى التوحيد والدين الحقّ ﴿نُوحاً إِلى قَوْمِهِ﴾ وهم أهل الدنيا.
__________________
(١) مسند أحمد ٤ : ٣٥٧.
(٢) تفسير الرازي ٢٥ : ٤١.