يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ
مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَ وَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ *
وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (٩) و (١١)﴾
ثمّ بيّن سبحانه حال الموحّدين الذين فارقوا الأقارب والأرحام حفظا للدين ، وطلبا لرضا ربّ العالمين بقوله : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآله ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ من رفض الشّرك ومفارقة الأرحام لوجه الله ﴿لَنُدْخِلَنَّهُمْ﴾ في الآخرة ﴿فِي﴾ زمرة ﴿الصَّالِحِينَ﴾ والموحّدين المقرّبين والمؤمنين الكمّلين ولنعلينّهم في درجتهم ، وتنعم عليهم بمصاحبتهم.
قيل : إن نكتة ذكر المؤمنين الصالحين مرّتين أنّ النظر في الآية الاولى إلى بيان حال المهتدين بعد بيان حال الضالّين ، وفي الآية الثانية إلى بيان حال الهادين بعد ذكر المضلّين ، كالوالدين اللذين امرا (١) ولدهما بالشرك (٢) .
ثمّ لمّا ذكر سبحانه لزوم امتحان المؤمنين بالبلاء ومشاقّ التكليف ، لتمييز الصادق في دعوى الايمان عن الكاذب ، بيّن حال الكاذب في دعوى الايمان عند ابتلائه بالفتن بقوله : ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ وبعضهم ﴿مَنْ يَقُولُ﴾ بلسانه ﴿آمَنَّا بِاللهِ﴾ عن صميم القلب ، كايمان المؤمنين الحقيقي ﴿فَإِذا أُوذِيَ﴾ من قبل الكفّار ﴿فِي﴾ سبيل ﴿اللهِ﴾ ولأجل الايمان به ﴿جَعَلَ﴾ وعد الأذيّة التي كانت ﴿فِتْنَةَ النَّاسِ﴾ وامتحانا له من قبلهم صارفة لنفسه عن الايمان مع ضعفها وانقطاعها ﴿كَعَذابِ اللهِ﴾ الشديد الدائم ، الذي هو صارف المؤمنين الخلّصين من الكفر به ، وجزعوا منها ، ولذا ينصرفون من الايمان كما ينصرف الخلّصون من الكفر للخوف منه ﴿وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ﴾ لجيش المؤمنين على الكفّار ﴿مِنَ﴾ قبل ﴿رَبِّكَ﴾ وبرحمته ليقولن للمؤمنين تلبيسا عليهم وطمعا في الغنيمة : ﴿إِنَّا كُنَّا﴾ موافقين ﴿مَعَكُمْ﴾ في الايمان ، وتابعين لكم في الدين ، فاشركونا في الغنائم.
ثمّ ردّهم الله بقوله : ﴿أَ وَلَيْسَ اللهُ﴾ الخالق لكلّ شيء ﴿بِأَعْلَمَ﴾ منكم ومن كلّ أحد ﴿بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ﴾ وقلوبهم من الايمان الخالص والنفاق حتى يقولوا ما يقولون من إظهار الايمان ، ويفعلوا ما يفعلون من إبطان الكفر والنفاق ، نعم ﴿وَ﴾ الله هو أعلم ، وكذا ﴿لَيَعْلَمَنَّ اللهُ﴾ البتة إيمان ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ عن صميم القلب والاخلاص ﴿وَلَيَعْلَمَنَ﴾ نفاق ﴿الْمُنافِقِينَ﴾ ولا يلتبس عليه حالهم ، وإن سكت المؤمن وتكلّم المنافق.
__________________
(١) في النسخة : كالولدين الذين امروا.
(٢) تفسير الرازي ٢٥ : ٣٦.