﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)﴾
ثمّ لمّا كان أقوى الموانع من الايمان وطاعة الله رعاية ميل الأقارب والأرحام خصوصا الوالدين الذين كان الاحسان إليهم من أهمّ الواجبات والمحسّنات العقلية والشرعية ، نهى سبحانه عن جعل نهيهما عن الايمان بالتوحيد مانعا عنه بقوله : ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ﴾ وأوجبنا عليه أكيدا أن يفعل ﴿بِوالِدَيْهِ﴾ ما يعدّ من غاية كونه ذا حسن ﴿حُسْناً﴾ وعين صلاح فضلا عن الإطاعة والانقياد لهما ﴿وَ﴾ قلنا له : ﴿إِنْ جاهَداكَ﴾ وجادلاك مع ذلك ﴿لِتُشْرِكَ بِي﴾ من الموجودات والأصنام ﴿ما لَيْسَ لَكَ بِهِ﴾ وبإلهيّته ﴿عِلْمٌ﴾ وبرهان يفيده ﴿فَلا تُطِعْهُما﴾ في ذلك ، ولا تعين بأمرهما به فضلا عن أمر غيرهما ، فانّه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق.
ثمّ هدّد سبحانه المشركين الضالّين والمضلّين بقوله : ﴿إِلَيَ﴾ بعد الموت ﴿مَرْجِعُكُمْ﴾ أيّها الناس المطيعين والعصاة والموحّدين والمشركين والضالّين والمضلّين لا إلى غيري ﴿فَأُنَبِّئُكُمْ﴾ واخبركم بعد الرجوع إليّ والحضور عندي ﴿بِما كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَعْمَلُونَ﴾ من التوحيد والاشراك والضلال والاضلال بتعيين جزائكم ، وما يترتّب على أعمالكم.
روي أنه لمّا آمن سعد بن أبي وقاص الزّهري ، قالت له امّه حمنة بنت أبي سفيان بن امية بن عبد شمس : يا بني ، ما هذا الدين الذي أحدثت ؟ لتدعن دينك ، أو أذهب من الظلّ إلى الشمس ، ولا آكل ولا اشرب من شيء حتى ترجع من دين محمّد أو أموت فتعيّر بي ، فيقال لك : يا قاتل امّه فلم تأكل ولم تشرب ثلاثة أيام حتى جهدت ، فقال لها : يا امّ ، لو كان لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما كفرت ، فكلي وإن شئت فلا تأكلي ، فلمّا رأت ذلك أكلت ، فأمره الله في الآية أن يحسن إليها ، ويقوم بأمرها ، ويسترضيها فيما ليس بشر ومعصيّة (١) ، فنبّه سبحانه على حكمين :
أحدهما : وجوب البرّ والاحسان بالوالدين وحرمة عقوقهما.
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « الجنّة تحت أقدام الامّهات » (٢).
وفي الحديث القدسي : « من رضي عنه والده ، فأنا عنه راض ».
والثاني ، حرمة إطاعتهما في معصية الله.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٤٥٠.
(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٣١.