غيره من ﴿الدِّينِ كُلِّهِ﴾ وبجميع أفراده بنسخ ما كان منه حقا من بعض الأحكام المتبدّلة بتبديل الأعصار ، وإظهار بطلان ما كان باطلا ، أو بتسليط المسلمين على أهل سائر الأديان وقهر ملوكهم وفتح بلادهم ، وقد أنجز الله وعده حيث أعطى المسلمين من الفتح والغلبة على ممالك الكفرة ما يستقلّ إليه فتح مكة ، أو بذهاب سائر الأديان من وجه الأرض في زمان ظهور الحجة والإمام الغائب.
﴿وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً﴾ على صدق رسوله صلىاللهعليهوآله في وعده بدخول المسلمين المسجد الحرام ، أو على صدق محمّد صلىاللهعليهوآله في دعوى الرسالة ، وإن أبت قريش من أنّ يكتب في كتاب الصّلح رسالته.
عن ابن عباس : شهد له بالرسالة (١) بقوله : ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ﴾ إلى كافة الناس إلى القيامة ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ بالايمان ، واتّبعوه عن صميم القلب ، وأطاعوه عن خلوص النيّة ، كأمير المؤمنين وسلمان وأضرابهما ، يكون من أخلاقهم الحميدة أنّهم ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾ غلاظ عليهم ، لا لغلظة قلوبهم وفظاظة خلقهم ، بل لما بينهم من التضادّ ، كتضادّ النور والظلمة ، والايمان والكفر ﴿رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ متعاطفون بعضهم على بعض كالوالد مع ولده ، فهو كقوله : ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ﴾(٢).
قيل : إنّهم بلغوا من الشدّة على الكفّار أنّهم كانوا يتحرّزون من أن تلزق ثيابهم بثيابهم ، وأن تمسّ أبدانهم بأبدانهم ، ومن ترحمّهم بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا صافحه وعانقه (٣) .
أقول : من شدّتهم على الكفّار أن يتحرّزوا من أن يقع نظرهم إلى وجه الكافر ، ومن عطوفتهم على المؤمنين أن اشتاقوا إلى النظر إلى وجوههم ، ويحزنون لحزنهم ، ويفرحون لفرحهم ، ويحبّون لهم ما يحبّون لأنفسهم ، هذا حال المؤمنين مع الناس ، وأما حالهم مع الله ، فانك ﴿تَراهُمْ﴾ أيها الرائي ﴿رُكَّعاً سُجَّداً﴾ لله في حال اشتغالهم بضروريات معاشهم ﴿يَبْتَغُونَ﴾ ويطلبون بركوعهم وسجودهم وسائر عباداتهم ﴿فَضْلاً﴾ وإنعاما ﴿مِنَ اللهِ﴾ عليهم من النار والدخول في الجنّة ﴿وَرِضْواناً﴾ وتحنّنا منه إليهم بالرحمة بخلاف المشركين والمرائين ، فانّهم يطلبون بركوعهم وسجودهم رضا غير الله ﴿سِيماهُمْ﴾ وعلامة كونهم من أتباع محمد صلىاللهعليهوآله أنّك ترى ﴿فِي وُجُوهِهِمْ﴾ وجباههم شيئا ﴿مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ كثفنة البعير ، كما كان لزين العابدين عليهالسلام ، فانّه يقال له ذو الثّفنات (٤) .
وقيل : هو التّراب على الجباه (٥) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٥٥.
(٢) المائدة : ٥ / ٥٤.
(٣) مجمع البيان ٩ : ١٩٢ ، جوامع الجامع : ٤٥٦ ، تفسير روح البيان ٩ : ٥٧.
(٤) جوامع الجامع : ٤٥٦ ، تفسير أبي السعود ٨ : ١١٤ ، تفسير روح البيان ٩ : ٥٨.
(٥) مجمع البيان ٩ : ١٩٢.