ولو لا جعلها لكان خلق الناس عبثا.
ثمّ حثّ سبحانه الناس على ترك السيئات والعمل بالطاعات بتخويفهم من إتيان يوم القيامة ودار الجزاء بقوله : ﴿مَنْ كانَ يَرْجُوا﴾ ويتوقّع ﴿لِقاءَ اللهِ﴾ وملاقاة دار جزائه ، فليجهد في ترك السيئات والقيام بالعبادات ، وليسارع إلى موجبات غفران الله وثوابه ، وليحذر ممّا يسوقه إلى عقاب الله ونكاله ، وليستعدّ لإتيان أجل الله ويوم جزائه ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ﴾ وغاية زمان انقضاء الدنيا الذي عيّنه الله لفنائها والله ﴿لَآتٍ﴾ وكائن.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام:«من كان يؤمن بأنّه مبعوث،فانّ وعد الله لآت من الثواب والعقاب»(١).
ولا يخفى على الله شيء من أقوال الناس وأعمالهم ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوالهم ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأعمالهم وأحوالهم ، فيجازيهم حسبما يستحقون ، ولا يفوته شيء ، فبادروا العمل قبل الفوت.
﴿وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا
يَعْمَلُونَ (٦) و (٧)﴾
ثمّ بالغ في الحثّ على الطاعة بقوله : ﴿وَمَنْ جاهَدَ﴾ نفسه بترك الشهوات ، والصبر على الطاعات ، وجاهد الكفّار بالسيف ، والشيطان بدفع وساوسه ﴿فَإِنَّما يُجاهِدُ﴾ جهادا نافعا ﴿لِنَفْسِهِ﴾ وفائدته الدنيوية والاخروية عائدة له لا تتعدّاه إلى الله ﴿إِنَّ اللهَ﴾ الخالق للموجودات ﴿لَغَنِيٌ﴾ بالذات ﴿عَنِ﴾ الموجودات في ﴿الْعالَمِينَ﴾ ومنافعها ، وإنما الموجودات في وجودها وبقائها وكمالها محتاجة إلى فضله وإحسانه وفيضه.
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان عود فوائد مجاهدته وأعماله إلى نفسه إجمالا ، نبّه على أهمّ فوائدها العائدة إليه تفصيلا بقوله : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بوحدانية الله ورسالة رسوله والدار الآخرة ﴿وَعَمِلُوا﴾ الأعمال ﴿الصَّالِحاتِ﴾ المرضيّات عند الله المأتيات لوجهه ﴿لَنُكَفِّرَنَ﴾ ونسترنّ عن الناس بل ﴿عَنْهُمْ﴾ أنفسهم ﴿سَيِّئاتِهِمْ﴾ وقبائح أعمالهم التي صدرت في الدنيا عنهم بالغا ما بلغ بمحوها عن دفاتر أعمالهم ، لئلّا يطّلع عليها أحد حتى نفسه ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ﴾ على إيمانهم وأعمالهم ﴿أَحْسَنَ﴾ وأفضل جزاء ﴿الَّذِي كانُوا﴾ في الدنيا ﴿يَعْمَلُونَ﴾ من الإقرار بالتوحيد ، والقيام بالطاعات ، وممّا هو لا عين رأت ، ولا اذن سمعت ، ولا خطر على قلب أحد.
__________________
(١) التوحيد : ٢٦٧ / ٥ ، تفسير الصافي ٤ : ١١١.