بسرائرهم وضمائرهم.
وقيل : إنّ المعنى فليرينّ الله (١). وقيل : يعني فليظهرنّ الله (٢). وقيل : يعني فليجازينّ الله ، والكلّ على ذكر المسبّب وإرادة السبب (٣). وقيل : إنّ ( يعلمن ) محمول على ظاهره (٤) ، والمراد أنّ بالامتحان يتعلّق علمه بالواقع تعلقا حاليا بعد ما كان تعلّقه تعلّقا استقباليا.
وفيه أنّه مبني على كون المعلومات عنده صلىاللهعليهوآله حاليا واستقباليا ، ولا يكون ذلك إلّا على فرض كونه تعالى محاطا بالزمان ، وهو باطل قطعا ، فالموجودات في علمه تعالى كلّها في عرض واحد ، والتقدّم والتأخر فيها إنّما يكون في نظرنا مع أنّ الظاهر أنه بالامتحان يستكشف ما هو موجود في الحال من صدق الايمان وكذبه ، لا ما يتحقّق بعد الامتحان. ويمكن أن يكون المعنى أنّ فتنة المؤمنين ليس لأجل عمله تعالى بواقع إيمان المدّعي له ، فانّ الله تعالى ليعلم البتة صدق الصادق وكذب الكاذب.
قيل : لمّا كان المراد من الكاذبين المستديمين للكفر والمستمرين عليه ، عبّر عنهم بصيغة الفاعل الدالّ على الثبوت ، بخلاف الصادقين (٥) فانّ المراد منهم المؤمنون الذين كانوا قريبي العهد بالايمان.
وفيه : أنّ عنوان الكذب أيضا كان حادثا في ذلك الزمان ، وإن كان كفرهم قديما ومستمرّا فيهم.
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ * مَنْ كانَ
يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) و (٥)﴾
ثمّ أنكر على الكفّار حسبانهم الأقبح من حسبانهم الأول بقوله : ﴿أَمْ حَسِبَ﴾.
قيل : إنّ المعنى : بل (٦) أظنّ الكفار ﴿الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ﴾ بجوانحهم (٧) وجوارحهم ﴿أَنْ يَسْبِقُونا﴾ ويفوتونا إن لم نعذّبهم في الحال على سيئاتهم ، ليس الأمر كما يحسبون ، بل إن لم نعذّبهم في الحال نعذّبهم فيما بعد بحكم الإيعاد ، فانّ الإمهال لا يستلزم الإهمال ، فانّ التعجيل في المجازاة شغل من يخاف الفوت ﴿ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ به من أنّ عصيانهم لا يستتبع عقوبة ، ومخالفتهم لأحكام الله لا يستعقب عذابا ونكالا ، فانّ الحكم الحسن ما يحكم به العقل ، من أنّ الله الحكيم لا يهمل الناس ، بل يجعل لهم أحكاما وتكاليف ينتظم بها معاشهم ومعادهم ، ومخالفتها موجبة لاستحقاق العقاب ، والحكيم يعطي كلّ ذي حقّ حقّه ، ولو لا العقوبة على مخالفة الأحكام لكان جعلها بلا فائدة ،
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٩.
(٢) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٩.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٤٤٦.
(٤) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٩.
(٥) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٩.
(٦) تفسير أبي السعود ٧ : ٣٠.
(٧) في النسخة : بجوانحكم.