يفتن الذهب » ثمّ قال : « يخلّصون كما يخلّص الذهب » (١) .
عن النبي صلىاللهعليهوآله : لمّا نزلت هذه الآية قال : « لا بدّ من فتنة تبتلى بها الامّة بعد نبيها ، ليتعيّن (٢) الصادق من الكاذب ، لأنّ الوحي قد انقطع وبقي السيف وافتراق (٣) الكلمة إلى يوم القيامة » (٤).
وفي ( نهج البلاغة ) : قام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن الفتنة ، وهل سألت رسول الله صلىاللهعليهوآله عنها ؟ فقال علي عليهالسلام : « لما أنزل الله سبحانه : ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ﴾ الآية ، علمت أنّ الفتنة لا تنزل بنا ورسول الله صلىاللهعليهوآله بين أظهرنا ، فقلت : يا رسول الله ، ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها ؟ فقال : يا علي ، إنّ امّتي سيفتنون من بعدي. فقلت : يا رسول الله ، أو ليس قلت لي يوم احد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وحيزت (٥) عنّي الشهادة فشقّ ذلك عليّ : ابشر فانّ الشهادة من ورائك ؟ فقال لي : إنّ ذلك كذلك ، فكيف صبرك إذن ؟ فقلت : يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ، ولكن من مواطن البشرى والشّكر. فقال : يا علي ، سيفتنون بأموالهم ، ويمنّون بدينهم على ربّهم ، ويتمنّون رحمته ، ويأمنون سخطه ، ويستحلّون حرامه بالشهادة الكاذبة والأهواء الساهية فيستحلون الخمر بالنبيذ ، والسّحت بالهدية ، والربا بالبيع. قلت : يا رسول الله ، فأيّ المنازل انزلهم [ عند ذلك ] ، أبمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة ؟ فقال : بمنزلة فتنة » (٦).
وعن الكاظم عليهالسلام قال : « جاء العباس إلى أمير المؤمنين ، فقال : انطلق يبايع (٧) لك الناس. فقال له أمير المؤمنين : أتراهم فاعلين ؟ قال : نعم. قال : فأين قولهعزوجل﴿الم* أَحَسِبَ النَّاسُ﴾ الآية »(٨).
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣)﴾
ثمّ إنّه بعد إنكار ذلك الحسبان الفاسد ، بيّن عدم جوازه ببيان أنّ تفتين مدّعي الايمان وعدم قبول دعواه ما لم يقترن بالصبر على البأساء والضرّاء ، دأبه القديم الذي لا يجوز تخلّفه منه تعالى بقوله : ﴿وَ﴾ بالله ﴿لَقَدْ فَتَنَّا﴾ وامتحنّا بالصبر على الشدائد المؤمنين ﴿الَّذِينَ﴾ كانوا ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ وفي الأعصار السابقة على عصرهم ﴿فَلَيَعْلَمَنَ﴾ وليميزنّ ﴿اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ في دعواهم الايمان ﴿وَلَيَعْلَمَنَ﴾ وليميزنّ ﴿الْكاذِبِينَ﴾ فيه ، فنزّل سبحانه نفسه في إيجاد موجبات تميّزهم في الظاهر وفي نظرهم منزلة الجاهل الذي يريد أن يعلم حال قلبهم وواقع إيمانهم مع كونه بالذات عالما
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٠٢ / ٤ ، تفسير الصافي ٤ : ١١١.
(٢) في النسخة : لتعيين.
(٣) في النسخة : لافتراق.
(٤) تفسير الصافي ٤ : ١١٠.
(٥) في النسخة : وخيّرت.
(٦) نهج البلاغة : ٢٢٠ الخطبة ١٥٦ ، تفسير الصافي ٤ : ١١٠.
(٧) في تفسير القمي : انطلق بنا نبايع.
(٨) تفسير القمي ٢ : ١٤٨ ، تفسير الصافي ٤ : ١١١.