عثمان إلى مكّة ومعه عشرة رجال من الصحابة بإذن رسول الله صلىاللهعليهوآله ليزوروا أهاليهم هناك ، فلقي عثمان قبل أن يدخل مكّة
أبان بن سعيد ، فأجاره حتى يبلّغ رسالته ، وجعله بين يديه ، فأتى عظماء قريش ،
فبلّغهم الرسالة ، وهم يقولون : إنّ محمدا لا يدخل علينا أبدا.
فلمّا فرغ
عثمان من الرسالة ، قالوا له : إن شئت فطف بالبيت ، فقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف
رسول الله. وكانت قريش قد احتبست عثمان عندها ثلاثة أيام ، فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّ عثمان ومن معه قتلوا كلّهم ، فقال : « لا نبرح حتى
نناجز القوم » فأمره الله بالبيعة ، فنادى مناديه : أيّها الناس ، البيعة البيعة ،
نزل روح القدس ، فاخرجوا على اسم الله ، فثاروا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو تحت شجرة من أشجار السّمر ، فبايعوه على عدم الفرار ، وقالوا لها بيعة الرّضوان .
أقول : لعلّ
وجه التسمية أنّ الله قال : ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ
إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ .
وأول من بايع
سنان بن سنان الأسدي ، فقال : يا رسول الله ، ابايعك على ما في نفسك. قال : « وما
في نفسي ؟ » قال : أضرب بسيفي حتى ينصرك الله أو اقتل ، وصار الناس يقولون :
نبايعك على ما بايعك عليه سنان . وروي أن عثمان رجع بعد ثلاثة أيام ، فبايع هو أيضا.
وكان محمد بن
مسلمة على حرس رسول الله صلىاللهعليهوآله فبعثت قريش أربعين رجلا ، عليهم مكرز بن حفص ، ليطوفوا
بعسكر رسول الله صلىاللهعليهوآله ليلا ، رجاء أن يصيبوا منهم أحدا ، ويجدوا منهم غفلة ،
فأخذهم محمد بن مسلمة إلا مكرز فانّه أفلت ، وأتى بهم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فحبسوا ، فبلغ قريشا حبس أصحابهم ، فجاء جمع منهم حتى
رموا المسلمين بالنّبل والحجارة ، وقتل من المسلمين ابن رسم رمي بسهم ، فأسر
المسلمون منهم اثني عشر رجلا.
وعند ذلك بعثت
قريش إلى رسول الله جمعا فيهم سهيل بن عمرو ، فلمّا رآه رسول الله صلىاللهعليهوآله تفاءل ، وقال لأصحابه : « سهل أمركم » فقال سهيل : يا محمد ، إنّ ما كان من
حبس أصحابك ، وما كان من قتال من قاتل ، لم يكن من رأي ذوي رأينا ، بل كنّا كارهين
له حين بلغنا ، وكان من سفهائنا ، فابعث إلينا أصحابنا الذين اسروا أولا وثانيا ،
فقال صلىاللهعليهوآله : « إني لا ارسلهم حتى ترسلوا أصحابي » فقالوا : نفعل
فبعث سهيل ومن معه إلى قريش بذلك ، فبعثت قريش عثمان والعشرة ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوآله أصحابهم.
ولمّا سمعت
قريش بهذه البيعة ، كبرت عليهم ، وخافوا أن يحاربوا ، وأشار أهل الرأي منهم
بالصّلح
__________________