للثأر ، وكان فيه احتمال مشاقّ القتال ، وصعب على البعض ذلك ، فقال سبحانه : ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا﴾ ولا يؤمروا بالجهاد (١) .
وقيل : إنه لمّا قال في أواخر السابقة ﴿ادْعُ إِلى رَبِّكَ﴾(٢) وكان في الدعاء إليه الطّعان والحراب ، لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله وأصحابه كانوا مأمورين بالجهاد إن لم يؤمن الكفّار ، فشّق على البعض ذلك ، فقال سبحانه : ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ﴾(٣) .
وقيل : إنّه لمّا قال في آخر السورة السابقة : ﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾(٤) ذكر بعده ما يبطل قول المنكرين للحشر من قوله : ﴿لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(٥) يعني ليس كلّ شيء هالكا من غير رجوع ، بل كلّ هالك وله رجوع إلى الله ، وكان من قول منكري الحشر إنّه لا فائدة في التكاليف إذا لم يكن رجوع ومعاد ، فلمّا أثبت الله الرجوع ، بيّن حسن التكليف بقوله : ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ﴾ إلى آخره (٦) ، وما ذكرنا أحسن الوجوه ، ويمكن أن يكون وجه النّظم جميع الوجوه.
قيل : نزلت في قوم من المؤمنين كانوا بمكة ، وكان كفّار قريش يؤذونهم ويعذّبونهم على الاسلام ، وكانت صدورهم تضيق لذلك ، ويجزعون فتداركهم الله بالتسلية بهذه الآية (٧) .
وقيل : إنّها نزلت في عمّار بن ياسر ، وعياش بن أبي ربيعة ، والوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام (٨) ، وكانوا يعذّبون بمكّة (٩) .
أقول : هذان الوجهان يوافقان القول بأن جميع السورة أو الآيات العشر من أولها مكية ، كما عليه جمع من المفسرين (١٠) . وأمّا على القول بأنّ جميعها أو عشر آيات من أولها مدنية ، كما عليه آخرون فلا [ يوافق الوجهين ](١١) .
وقيل : الآية نزلت في أقوام بمكة هاجروا ، فتبعهم الكفّار ، فاستشهد بعض ونجا الباقون (١٢) .
وقيل : نزلت في مهجع بن عبد الله ، قتل يوم بدر ، وكان أبواه وأقاربه يجزعون عليه (١٣) .
عن الصادق عليهالسلام : « معنى يفتنون يبتلون في أنفسهم وأموالهم » (١٤) .
وعن الكاظم عليهالسلام أنّه قرأ هذه الآية ، ثمّ قال : « ما الفتنة ؟ » قيل : الفتنة في الدين. فقال : « يفتنون كما
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٥. (٢) القصص : ٢٨ / ٨٧.
(٣) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٥. (٤) القصص : ٢٨ / ٨٨.
(٥) القصص : ٢٨ / ٨٨. (٦) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٥.
(٧) تفسير روح البيان ٦ : ٤٤٤.
(٨) في النسخة : مسلمة بن هشام ، تصحيف انظر اسد الغابة ٢ : ٣٤١.
(٩) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٧. (١٠) مجمع البيان ٨ : ٤٢٥ ، تفسير القرطبي ١٣ : ٣٢٣.
(١١) مجمع البيان ٨ : ٤٢٥ ، تفسير القرطبي ١٣ : ٣٢٣.
(١٢) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٨.
(١٣) تفسير البيضاوي ٢ : ٢٠٣.
(١٤) مجمع البيان ٨ : ٤٢٧ ، تفسير الصافي ٤ : ١١٠.