يقول : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ﴾ » (١) .
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ *
فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ
أَعْمالَكُمْ (٣٤ و) (٣٥)﴾
ثم إنه تعالى بعد بيان بطلان أعمالهم الخيرية وعدم فائدتها لهم ، بين عدم العفو عن ذنوبهم بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا﴾ وخرجوا من الدنيا ﴿وَ﴾ الحال أن ﴿هُمْ كُفَّارٌ﴾ حين موتهم ﴿فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ﴾ ذنوبهم التي اقترفوها في الدنيا ، كثيرة كانت أو صغيرة ، لعدم أهليتهم للمغفرة والرحمة ، فاذا علمتم أن الله يعادي الكفار ، ولا يقبل أعمالهم الخيرية ، ولا يغفر ذنوبهم ، ولا يرحمهم ﴿فَلا تَهِنُوا وَ﴾ لا تتوانوا في قتالهم ، ولا تضعفوا في جهادهم ، بل جدوا واجتهدوا فيه ، ولا تجعلوا المشاغل الدنيوية مانعة عنه ، ولا ﴿تَدْعُوا﴾ هم ﴿إِلَى السَّلْمِ وَ﴾ الصلح. ولا تسئلوا منهم متاركة القتال ، فان فيه ذلكم ، والحال ﴿أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ والغالبون عليهم.
ثم بين سبحانه علة علوهم وغلبتهم بقوله : ﴿وَاللهُ مَعَكُمْ﴾ وناصركم في الدارين ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ﴾ ولن يضيع ﴿أَعْمالَكُمْ﴾ بل يعطيكم أجرها فوق ما تتوقعون ، فيكون لكم في جهادهم شرف الدنيا وثواب الآخرة ، فلا ينبغي لمن له عقل أن يتهاون فيه.
لما بين سبحانه أن الغلبة على الكفار بنصرة الله لا بقوتهم وشوكتهم ، كان مجال أن يتوهم أن أجر جهادهم ينقص بسبب كون الغلبة بنصرته تعالى ، فدفعه سبحانه وقال : لم ينقص أجر جهادكم بسبب نصرته ، بل يعطيكم أجركم كاملا (٢) .
قيل : إن الآية ناسخة لقوله ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها﴾(٣) وفيه : أنه لا تنافي بين الحكمين ، فان الآية ظاهرة في حرمة طلب المسلمين الصلح مع الكفار أولا ، والآية الاخرى إذن في إجابة الكفار إن طلبوا الصلح ، فان في طلب الصلح منهم ذل ومهانة للمسلمين (٤) ، وفي إجابة دعائهم إلى الصلح شرف وكرامة لهم.
﴿إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ
أَمْوالَكُمْ * إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٦) و (٣٧)﴾
__________________
(١) ثواب الأعمال : ١١ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٠.
(٢) تفسير الرازي ٢٨ : ٧٣.
(٣) الأنفال : ٨ / ٦١.
(٤) تفسير القرطبي ١٦ : ٢٥٦.