في تفسير سورة العنكبوت
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لايُفْتَنُونَ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة القصص المتضمّنة لبيان افتتان قارون بالدنيا وحطامها حتى عارض موسى ولقربه [ منه ] حتى خسف الله به وبداره الأرض مع كونه أقرأ بني إسرائيل للتوراة وأقرب جلّهم من موسى ، وبيان نهي النبيّ الذي كان معصوما من الخطأ والزلل عن الافتتان بالمشركين ومواعيدهم مبالغة في زجر أتباعه منه ، نظمت سورة العنكبوت المبدوأة بإنكار حسبان قبول دعوى الايمان من المؤمنين بغير افتتانهم بحبّ الدنيا وامتحانهم بالبلايا والشدائد حتى يتميّز المخلص من المنافق والصادق في دعوته من الكاذب ، والإخبار بأنّ دأبه تعالى من أوّل الدنيا امتحان المدّعين للايمان بالتكاليف والمحن وعدم قبول دعوتهم بلا ظهور آثار الايمان فيهم من الصبر في طاعة الله وتحمّل المشاقّ في جنب الله فابتدأ بذكر أسمائه بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ لمّا كان لزوم اختبار حال المؤمنين في الخلوص والنّفاق من المطالب المهمّة النافعة ، ذكر الحروف المقطّعات لتوجيه القلوب إلى استماعه بقوله : ﴿الم﴾ وقد مرّ تأويلها في الطّرفة ، ثمّ شرع سبحانه في بيان لزوم كون الايمان عن صميم القلب لا بظاهر القول بقوله : ﴿أَ حَسِبَ النَّاسُ﴾ وتوهّموا ﴿أَنْ يُتْرَكُوا﴾ ويهملوا ولا يؤاخذوا على عدم الايمان بمجرّد ﴿أَنْ يَقُولُوا﴾ بألسنتهم ﴿آمَنَّا﴾ بالله ﴿وَ﴾ برسوله وبدار الآخرة ، والحال أن ﴿هُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ ولا يبتلون بأنواع البلاء ، ولا يمتحنون في إيمانهم بالشدائد ومشاقّ التكاليف حتى يظهر ثباتهم في الايمان وخلوصهم في التوحيد.
وقيل : في وجه تعلّق السورة بما قبلها أنّه لمّا قال سبحانه في السورة السابقة : ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ﴾(١) وكان المراد أن يردّه إلى مكّة ظاهرا غالبا على الكفّار ، ظافرا طالبا
__________________
(١) القصص : ٢٨ / ٨٥.