وقيل : إنّ المعنى أمرهم وشأنهم طاعة لله ولرسوله وقول معروف أن يجيبوا لما امروا به من الجهاد (١) . أو المراد أنّهم يقولون أمرنا طاعة وقول معروف (٢)
﴿فَإِذا عَزَمَ﴾ الرسول صلىاللهعليهوآله أو الله ﴿الْأَمْرُ﴾ وجدّ في الجهاد ، خالفوا وقعدوا مع المتخلّفين ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ﴾ في إخبارهم بايمانهم وطاعتهم أوامره ﴿لَكانَ﴾ الصدق والله ﴿خَيْراً لَهُمْ﴾ وأفضل وأنفع من الكذب والنفاق والقعود عن الجهاد.
ثمّ قيل : إنّ المنافقين كانوا يعتذرون بالقتال والجهاد ، ويقولون : كيف والقتل إفساد ، والعرب قبائلنا وأرحامنا (٣) ، فردّ الله سبحانه عليهم بقوله : ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ﴾ وهل يتوقّع منكم أيّها المنافقون ﴿إِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ امور الناس ، وتأمّرتم عليهم ، وصار بيدكم زمام امورهم ﴿أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ﴾ حرصا على الملك ، وتهالكا على الدنيا.
وقيل : إنّ المراد يتوقّع منكم إن تولّيتم وأعرضتم عن الجهاد ، لكراهة الفساد وقطع الأرحام ، أن تفسدوا في الأرض بالسرقة والغارة ، وتقاتلوا على أدنى شيء ، وتقطعوا أرحامكم ، كما كان عادة العرب في الجاهلية (٤) .
عن الصادق عليهالسلام : « أنّها نزلت في بني اميّة » (٥) .
﴿أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ * أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤)﴾
ثمّ أعرض سبحانه عن مخاطبتهم إظهارا لعدم قابليتهم للمكالمة بقوله : ﴿أُولئِكَ﴾ المعرضون عن طاعة الله ورسوله صلىاللهعليهوآله هم ﴿الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ﴾ وأطردهم عن ساحة رحمته ، وعن كلّ خير وسعادة ﴿فَأَصَمَّهُمْ﴾ وسلب عنهم قوّة استماع الحقّ ومواعظ الله ورسوله ﴿وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ﴾ عمّا يشاهدونه من الآيات الآفاقية والأنفسية على التوحيد والمعجزات الدالّة على صدق الرسول ، ولما كان العمى أقوى في السببية للضلال أطنب فيه تسجيلا له.
وقيل : إنّ البصر آلة الرؤية ، فاذا أصابته آفة حصل العمى بخلاف الاذن ، فانّها ليست آلة للسماع ، لوضوح أنّ قوة السمع لا يذهب بقطع الاذن ، ولذا لم يقل : أصمّ آذانهم ، وقال : ﴿أَعْمى أَبْصارَهُمْ﴾(٦) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ٥١٦.
(٢) تفسير الرازي ٢٨ : ٦٣ ، تفسير روح البيان ٨ : ٥١٦.
(٣) تفسير الرازي ٢٨ : ٦٣.
(٤) الكشاف ٤ : ٣٢٥ ، تفسير الرازي ٢٨ : ٦٤.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٣٠٨ ، والكافي ٨ : ١٠٣ / ٧٦ ، وتفسير الصافي ٥ : ٢٨ ، عن الامام علي عليهالسلام.
(٦) تفسير الرازي ٢٨ : ٦٥.