قيل : إنّ المراد من سبيل الله هو الانفاق على المؤمنين (١) . وقيل : هو الجهاد (٢) . والحق أنّه الاسلام واتّباع النبي الذي هو الصراط المستقيم.
عن الباقر عليهالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام بعد وفاة رسول الله في المسجد والناس مجتمعون بصوت عال : ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ﴾ فقال له ابن عباس : يا أبا الحسن ، لم قلت ؟ ما قلت ؟ قال : قرأت شيئا من القرآن. قال : لقد قلته لأمر ؟ قال : نعم ، إنّ الله يقول : ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾(٣) فتشهد على رسول الله أنّه استخلف أبا بكر ؟ قال : ما سمعت رسول الله أوصى إلّا إليك. قال : فهلا بايعتني ؟ قال : اجتمع الناس على أبي بكر ، فكنت منهم. فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « كما اجتمع أهل العجل على العجل ، هاهنا. فتنتم ، ومثلكم ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ* صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ » (٤) .
أقول : تدلّ الرواية على عموم الكفر للأصلي والارتدادي الذي حصل بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ
رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ * ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا
الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ
أَمْثالَهُمْ (٣)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان سوء حال الكفّار ، بيّن حسن حال المؤمنين بقوله : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ والأعمال المرضيات عند الله ﴿وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ﴾ من القرآن وشرائع الاسلام وعن الصادق عليهالسلام ، قال : « بما نزل على محمد صلىاللهعليهوآله في علي عليهالسلام» (٥) .
﴿وَهُوَ الْحَقُ﴾ النازل ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ الحقيق بالايمان به ، وتخصيصه بالذكر لتعظيم شأنه ﴿كَفَّرَ﴾ وستر ﴿عَنْهُمْ﴾ بسبب هذا الايمان ﴿سَيِّئاتِهِمْ﴾ ومعاصيهم في الآخرة ﴿وَأَصْلَحَ بالَهُمْ﴾ وحالهم في الدين والدنيا بالتأييد والتوفيق.
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٢٨ : ٣٧.
(٣) الحشر : ٥٩ / ٧.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٠١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٠ ، والآيتان من سورة البقرة : ٢ / ١٧ و١٨.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٣٠١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢١.