في تفسير سورة محمد صلىاللهعليهوآله
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الأحقاف ببيان إيمان الجنّ بمحمد صلىاللهعليهوآله وكتابه ، وكفر أهل مكّة بهما ، وتهديد الكفّار بالعذاب الدنيوي والاخروي ، نظمت سورة محمد صلىاللهعليهوآله المتضمّنة لذمّ الكفّار ، ومنعهم الناس عن الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوآله ودينه وكتابه ، وبيان سوء عاقبتهم ، ومدح المؤمنين وبيان حسن عاقبتهم ، وتحريضهم على قتال الكفّار ، وأمرهم بجهادهم ، فافتتحها بذكر الاسماء الحسنى بقوله ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.﴾ ثمّ شرع في ذمّ الكفّار الصادّين عن سبيل الله بقوله : ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأصرّوا على كفرهم ، كأبي جهل وأضرابه من قريش واليهود وغيرهم ﴿وَصَدُّوا﴾ ومنعوا أنفسهم أو الناس ﴿عَنْ﴾ سلوك ﴿سَبِيلِ اللهِ﴾ واتّباع أدلّة الحقّ ودين الاسلام ﴿أَضَلَ﴾ الله وأبطل ﴿أَعْمالَهُمْ﴾ الحسنة بالذات ، كصلة الرّحم ، والانفاق على الفقراء ، وإعانة المظلومين وإغاثه الملهوفين ونظائرها ، بحيث لا يبقى لهم عمل يؤجرون (١) عليه.
قيل : لمّا قال في آخر السورة المباركة السابقة ﴿فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ﴾ كان مجال أن يقال : كيف يهلك الفاسقون مع أنّ لهم في طول أعمارهم صالحة كإطعام الطعام ، وصلة الرحم ونحو ذلك ، فيكون في إهلاكهم إهدار أعمالهم ، مع أنّه تعالى قال : ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ؟﴾ فقال الله تعالى : ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ﴾ أي لم يبق لهم عمل ، ولم يوجد ، فلم يمنع إهلاكهم ؛ (٢) لأنّ الايمان شرط قبول العمل وترتب الأجر عليه ، فما لا يقبل كما لا يوجد ، أو لأنّ الكفر يترجّح في الميزان على جميع الحسنات ، كما أنّ الايمان بترجّح على جميع السيئات ، أو لأن خيرية العمل بحيث يترتّب عليه الأجر ، إنّما يكون بقصد العامل إيجاده لله ، والكافر لا يقصد بأعماله التقرّب إلى الله ، وتحصيل رضاه ، فلا يصدر منه خير حتى يراه.
__________________
(١) في النسخة : يؤجر.
(٢) تفسير الرازي ٢٨ : ٣٦.