القمي رحمهالله قال : نزلت في أبي ذرّ وسلمان وعمّار والمقدار ، لم ينقضوا العهد قال : ﴿وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ﴾ أي ثبتوا على الولاية التي أنزلها الله ﴿وَهُوَ الْحَقُ﴾ يعني أمير المؤمنين عليهالسلام ﴿بالَهُمْ﴾ أي حالهم (١) .
ثمّ بيّن سبحانه علّة هذا التفاوت بين الفريقين بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ المذكور من إبطال أعمال الكفار ، وتكفير سيئات المؤمنين ، وإصلاح حالهم ﴿بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ﴾ وأطاعوا الشيطان وكبراءهم ، وعملوا بدين آبائهم عن تقليد وعصبية ، ففعلوا ما فعلوا من الكفر والصدّ عن سبيل الله ﴿وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَ﴾ النازل ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ والرسول المبعوث من قبل خالقهم ، ففعلوا ما فعلوا من الايمان والأعمال الصالحات ﴿كَذلِكَ﴾ الضرب البديع الفصيح الوافي ﴿يَضْرِبُ اللهُ﴾ ويبيّن ﴿لِلنَّاسِ﴾ عامة ﴿أَمْثالَهُمْ﴾.
﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ
فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ (٤)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه كون الكفّار غير نافعين لأنفسهم ولغيرهم لضلال أعمالهم ، وضارّين للناس بصدّهم عن سبيل الله ، أمر المؤمنين بقتلهم وإعدامهم بقوله تعالى : ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ﴾ وصادفتم أيّها المسلمون ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ في أيّ مكان وأيّ حال ﴿فَضَرْبَ الرِّقابِ﴾ وقطع الأعناق عنهم بالسيف واجب عليكم ، وهذا الحكم مستمرّ ﴿حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ﴾ وكسرتم جيشهم بإكثار القتل فيهم ، أو أعجزتموهم عن الحركة والمقاومة في قتالكم ﴿فَشُدُّوا﴾ واستحكموا ﴿الْوَثاقَ﴾ والقيد بأيديهم وأرجلهم ، وأسروهم كيلا يفرّوا من أيديكم ، فاذا قهرتموهم وأسرتموهم ﴿فَإِمَّا﴾ تمنّون عليهم ﴿مَنًّا﴾ وتطلقونهم من غير أخذ شيء منهم ﴿بَعْدُ﴾ الأسر وشدّ الوثاق ﴿وَإِمَّا﴾ تفدون وتأخذون منهم ﴿فِداءً﴾ ومالا وتطلقونهم بعوضه.
وحاصل الآية - والله أعلم - أنّه ما دام الحرب قائمة ، فالحكم القتل حال المبارزة ، فاذا انكسر جيش الكفر وغلب المسلمون عليهم بإكثار القتل فيهم ، فالحكم الأسر ، وبعد الأسر يتخيّر بين القتل وبين الإطلاق بلا أخذ شيء ، وبين الاطلاق مع أخذ شيء ، وهذا الحكم باق ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها﴾ آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلّا بها ، كالسلاح والكراع.
وقيل : يعني حتى يضع أهل الحرب أثامهم وشركهم ومعاصيهم ظاهرا بحيث لا يبقى إلّا مسلم أو
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٣٠١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢١.