﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ من الإغناء والفائدة ، حيث إنّهم لم يستعملوا شيئا منها فيما خلقت له ، ولم يؤدّوا شكرها.
﴿إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ﴾ ويتعصّبون في إنكار دلائل التوحيد والمعاد ورسالة الرسول ﴿وَحاقَ﴾ وأحاط ﴿بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ من العذاب ، حيث كانوا يستعجلونه سخرية وأستهزاء.
﴿وَ﴾ تالله ﴿لَقَدْ أَهْلَكْنا﴾ يا أهل مكة بأنواع مختلفة من العذاب ﴿ما حَوْلَكُمْ﴾ وفي أطرافكم ﴿مِنَ﴾ أهالي ﴿الْقُرى﴾ والبلدان الكثيرة كقرى عاد وثمود وقوم لوط باليمن والشام ، بسبب شركهم وطغيانهم ﴿وَصَرَّفْنَا الْآياتِ﴾ وكرّرنا عليهم الحجج وأنواع العبر ، لكي يعتبر بها اولئك الأهالي ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ عمّا هم عليه من الشّرك والطّغيان ، ويتوبوا من معاصيهم ، ومع ذلك لم يرجع أحد منهم ﴿فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ﴾ وهلّا خلّصهم من العذاب الأصنام ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ﴾ وممّا سواه ، لكونهم بزعمهم ﴿قُرْباناً﴾ ووسائل للزّلفى إلى الله ﴿آلِهَةً﴾ ومعبودين.
وقيل : إنّ المعنى اتّخذوهم آلهة حال كونهم متقرّبين بعبادتهم إلى الله ، حيث كانوا يقولون : ﴿ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى﴾(١) .
وقيل : إنّ المفعول الثاني لا تخذوا هو ( قربانا ) و( آلهة ) عطف بيان له (٢) . وعلى كلّ تقدير فيه غاية التقريع.
ثمّ بالغ سبحانه في تقريعهم بقوله : ﴿بَلْ ضَلُّوا﴾ وغابوا ، أو ضاعوا ﴿عَنْهُمْ﴾ فحرموا عن نصرتهم وشفاعتهم ، لعجزهم عن ذلك ﴿وَذلِكَ﴾ المذكور من اتخاذهم الأصنام قربانا آلهة ﴿إِفْكُهُمْ﴾ وقولهم الباطل الذي صرفهم عن الحقّ ﴿وَما كانُوا﴾ في الدنيا ﴿يَفْتَرُونَ﴾ على الله من أنّ الله جعل الأصنام شفعاءهم ورضى بعبادتها.
قيل : يعني : وذلك الضياع أثر إفكهم وأثر ما يفترون (٣).
﴿وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا
فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ
بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يا
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ٤٨٥.
(٢) تفسير الرازي ٢٨ : ٣٠ ، تفسير البيضاوي ٢ : ٣٩٧.
(٣) تفسير أبي السعود ٨ : ٨٨.