لِتَأْفِكَنا﴾ وتصرفنا ﴿عَنْ﴾
عبادة ﴿آلِهَتِنا﴾ إلى عبادة إلهك ، وهذا لا يكون أبدا ﴿فَأْتِنا بِما تَعِدُنا﴾ من العذاب العظيم على عبادة أصنامنا ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في وعدك به ﴿قالَ﴾ هود : لا شكّ في وقوعه ، و﴿إِنَّمَا الْعِلْمُ﴾ بوقت نزوله ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ ومختصّ به ، وهو يأتيكم به في الوقت الذي يعلمه ، ويرى فيه صلاح إتيانه به ، وليس في قدرتي شيء ، وإنّما أنا رسول من الله إليكم ﴿وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ من واجب الرسالة التي من جملتها تحذيركم بنزول العذاب عليكم ، إن لم تنتهوا عن الشرك ﴿وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ﴾ خيركم وصلاحكم ، ولا تعلمون وظيفة الرسول ، إنّها التبليغ لا إتيان العذاب.
في حكاية نزول العذاب على قوم عاد
ثمّ قيل : إنّ الله تعالى حبس عنهم المطر أياما ، ثمّ ساق إليهم سحابة سوداء ، فخرجت عليهم من واد يقال له المغيث (١)﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ حال كونه ﴿عارِضاً﴾ يعرض في السماء ﴿مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾ ومتوجّها إلى أراضيهم ﴿قالُوا﴾ مستبشرين ومسرورين بعروضه واستقباله : يا قوم ﴿هذا﴾ السّحاب ﴿عارِضٌ﴾ وظاهر في السماء وهو ﴿مُمْطِرُنا﴾ ومنزل الغيث علينا. قال هود : ليس الأمر كما توهّمتم ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ﴾ من العذاب ، وهو ﴿رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ فاذا جاءتهم ريح عقيم كانت ﴿تُدَمِّرُ﴾ وتهلك ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ من نفوسهم وأموالهم ومواشيهم ﴿بِأَمْرِ رَبِّها﴾ وإرادته ، كالجند الذي لا يسير ولا يقف إلّا بأمر الرئيس والأمير ﴿فَأَصْبَحُوا﴾ وصاروا من ذلك العذاب هالكين بحيث ﴿لا يُرى﴾ من آثارهم ﴿إِلَّا مَساكِنُهُمْ﴾ الخالية منهم ﴿كَذلِكَ﴾ الجزاء الفظيع ، وبمثل ذلك العذاب المستأصل ﴿نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ والطاغين على ربّهم.
قيل : جاءت ريح باردة من قبل المغرب ، وأوّل ما عرفوا أنّه عذاب ، أن راوا ما كان في الصحراء من رحالهم ومواشيهم تطير بها الريح بين السماء والأرض ، وترفع الظعينة في الجوّ حتى ترى كأنّها جرادة ، فتدمغها بالحجارة ، فدخلوا بيوتهم ، وأغلقوا أبوابهم ، فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم ، فأمال الله الأحقاف عليهم ، فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام ، لهم أنين ، ثمّ كشفت الريح عنهم الأحقاف ، فاحتملتهم فطرحتهم في البحر (٢) .
وقيل أول من أبصر العذاب امرأة منهم ، قالت : رأيت ريحا فيها كشهب النار (٣) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ٤٨٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٨ : ٢٨ ، تفسير أبي السعود ٨ : ٨٦ ، تفسير روح البيان ٨ : ٤٨٣.
(٣) تفسير الرازي ٢٨ : ٢٨ ، تفسير أبي السعود ٨ : ٨٦.