ربطوه في أعناقهم ، فمنها ما يبلغ نصف الساقين ، ومنها ما يبلغ الكعبين ، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته (١) .
عن الصادق عليهالسلام ، عن آبائه ، قال : « اتي النبي صلىاللهعليهوآله بخبيص (٢) ، فأبى أن يأكله ، فقيل : أتحرّمه ؟ قال : لا ، ولكني أكره ما تتوق إليه نفسي ، ثمّ تلا هذه الآية ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا﴾ » (٣) .
﴿وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ
خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قالُوا أَ جِئْتَنا
لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ
اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ * فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً
مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها
عَذابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ
نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢١) و (٢٥)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد إثبات التوحيد ، وتوعيد الكفّار المنهمكين في الشهوات ، ذكر قصّة قوم عاد ، الذين كانوا أقوى وأكثر نعمة من أهل مكّة ، ليعتبروا بهم بقوله : ﴿وَاذْكُرْ﴾ يا محمد ، لقومك هود الذي كان ﴿أَخا عادٍ﴾ ومن قومه ، ليعتبروا من حال قومه ﴿إِذْ أَنْذَرَ﴾ وخوّف ﴿قَوْمَهُ﴾ الذين كانوا يسكنون ﴿بِالْأَحْقافِ﴾ وهو أرض قريبة من حضرموت من بلاد اليمن ، على ما قيل (٤) ، وكانوا من قبيلة إرم. وقيل : إنّ بلاد عاد كانت في اليمن ، ولهم كانت إرم ذات العماد ، والأحقاف جبل مستطيل معوجّ من الرّمل (٥) .
أقول : هذا مناف لقول علي عليهالسلام : « شرّ واد بين الناس وادي الأحقاف » إلّا أن يقال : إنّ الوادي سمّي باسم الجبل الذي فيه ، قال : « وواد بحضرموت يدعى برهوت تلقى فيه أرواح الكفّار» (٦).
﴿وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ﴾ ومضت الرّسل من الدنيا من قبل هود و﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ وبعده ، وكان إنذاره ( ان ) يا قوم لا ﴿تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ﴾ ولا تشركوا به شيئا ﴿إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ﴾ يا قوم إن أشركتم به ﴿عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ أهواله ، وشديد بلاؤه ﴿قالُوا﴾ في جواب هود : يا هود ﴿أَجِئْتَنا
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ٤٨٠.
(٢) الخبيص : الحلواء المخلوطة من التمر والسمن.
(٣) المحاسن : ٤٠٩ / ١٣٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٥.
(٤) تفسير روح البيان ٨ : ٤٨٠.
(٥) تفسير روح البيان ٨ : ٤٨١.
(٦) تفسير روح البيان ٨ : ٤٨١.