قيل : إنّه لمّا سمع بمقدم رسول الله صلىاللهعليهوآله المدينة أتاه فنظر إلى وجهه الكريم ، فعلم أنّه ليس بوجه كذّاب ، وتأمّله فتحقّق أنّه النبي الموعود المنتظر ، فقال له : إنّي أسألك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبي : ما أول أشراط الساعة ، وأول طعام يأكله أهل الجنّة ، والولد ينزع إلى أبيه أو إلى امّه ؟
فقال صلىاللهعليهوآله : « أمّا أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من الشرق إلى الغرب ، وأمّا أوّل طعام أهل الجنّة فزيادة كبد الحوت ، وأمّا الولد فان سبق ماء الرجل نزعه ، وإن سبق ماء المرأة نزعته » .
فقال : أشهد أنّك رسول الله حقا ، فقام ثمّ قال : يا رسول الله ، إنّ اليهود قوم بهت ، فان علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عنّي بهتوني عندك. فجاءت اليهود وهم خمسون فقال لهم النبي صلىاللهعليهوآله: « أيّ رجل عبد الله فيكم ؟ » قالو : خيّرنا وابن خيّرنا ، وسيدنا وابن سيدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا.
فقال : « أرايتم إن أسلم عبد الله ؟ » قالوا : أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله إليهم فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمدا رسول الله. فقالوا : شرّنا وابن شرّنا وانتقصوه. قال : هذا ما كنت أخاف يا رسول الله وأحذر (١) .
وقيل : إنّ المراد بالشاهد غير عبد الله ؛ لأنّ الحواميم كلّها مكيّة ، وكان إسلام عبد الله بعد الهجرة قبل وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله بعامين ، وورد بأنّ الحواميم وإن كان مكية إلّا هذه الآية ، فانّها مدنية ، وضعت في السورة المكية بأمر الرسول صلىاللهعليهوآله (٢).
وقيل : إنّ الشاهد موسى بن عمران ، وشهادته ما في التوراة من بعث (٣) الرسول ، ونزول القرآن عليه (٤) .
﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ
فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١)﴾
ثمّ بيّن سبحانه شدّة كفر المشركين بقوله : ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من عتاة قريش تعظيما لأنفسهم مخاطبة ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ بمحمد صلىاللهعليهوآله وهم في نظرهم من أدنى الناس وفقرائهم ، ثمّ ترك سبحانه حكاية خطابهم ، وانتقل إلى الغيبة بقوله تعالى : ﴿لَوْ كانَ﴾ دين الاسلام حقا والقرآن ﴿خَيْراً﴾ ونافعا ﴿ما سَبَقُونا﴾ اولئك الأرذال والسّفلة ﴿إِلَيْهِ﴾ وإلى الايمان به.
وقيل : إنّ معنى ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ لأجل إيمان الذين آمنوا (٥) ، فليس الكلام للمشافهة والمخاطبة.
وقيل : إنّ الكفّار لمّا سمعوا إيمان جماعة من الفقراء بالرسول صلىاللهعليهوآله والقرآن قالوا للمؤمنين
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ٤٦٩.
(٢) تفسير الرازي ٢٨ : ١٠ ، تفسير روح البيان ٨ : ٤٧٠.
(٣) في تفسير البيضاوي : نعت.
(٤) تفسير البيضاوي ٢ : ٣٩٣ ، تفسير أبي السعود ٨ : ٨١.
(٥) تفسير الرازي ٢٨ : ١١.