وقيل : إنّ المراد لا أدري ما يفعل بي في الدنيا ، أموت أم أقتل كما قتل الأنبياء قبلي ، ولا أدري ما يفعل بكم أيّها المكذبون ، أترمون بالحجارة من السماء ، أم يخسف بكم ، أم يفعل بكم ما فعل بسائر الامم (١) .
وروي أيضا عن ابن عباس : أنّه لمّا نزلت هذه الآية ، فرح المشركون والمنافقون واليهود ، وقالوا : كيف نتّبع نبيا لا يدري ما يفعل به وبنا ؟ فأنزل الله ﴿إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ﴾ إلى قوله : ﴿وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً﴾(٢) ، فبيّن تعالى ما يفعل به وبمن اتّبعه ، ونسخت هذه الآية ، وأرغم الله أنف المنافقين والمشركين (٣) .
﴿قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى
مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)﴾
ثمّ حثّ سبحانه المشركين على الايمان بالقرآن بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد ، للمشركين : ﴿أَ رَأَيْتُمْ﴾ أيّها المشركون ، وأخبروني ﴿إِنْ كانَ﴾ ما أتيتكم به من القرآن نازلا ﴿مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ وبوحيه كما أقول ، لا سحر ولا مفترى كما تزعمون ﴿وَ﴾ أنتم ﴿كَفَرْتُمْ بِهِ﴾ وجحدتم بنزوله من عند الله ﴿وَشَهِدَ شاهِدٌ﴾ عظيم الشأن ﴿مِنْ﴾ علماء ﴿بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ الواقفين على ما في التوراة من التوحيد والوعد والوعيد على الايمان والكفر وكيفية المعاد ﴿عَلى﴾ انطواء التوراة بنظير ما في القرآن و﴿مِثْلِهِ﴾ فعلم بسبب مطابقة القرآن للتوراة أن القرآن من جنس الوحي الناطق بالحقّ.
وقيل : إنّ المراد إن كان القرآن من عند الله وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثل ما أقول (٤) لدلالة المعجزات ﴿فَآمَنَ﴾ بالقرآن أنّه كلام الله وليس من اختلاق البشر ﴿وَاسْتَكْبَرْتُمْ﴾ وتأنّفتم عن الإقرار به ، ألستم أضلّ الناس وأظلمهم على أنفسكم ، حيث وضعتم الجحود والإنكار موضع الايمان ، والاقرار عنادا ولجاجا ؟ فبذلك الظلم سلب عنهم التوفيق للايمان والهداية ﴿إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي﴾ ولا يوفّق للايمان ﴿الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بالإصرار على الكفر.
في ذكر إيمان عبد الله ابن سلام
عن سعد بن أبي وقّاص ، قال : ما سمعت رسول الله يقول لأحد يمشي على وجه الأرض : إنّه من أهل الجنّة إلّا لعبد الله بن سلّام ، وفيه نزل ﴿وَشَهِدَ شاهِدٌ﴾ إلى آخره (٥) . كان من أحبار اليهود ، وكان اسمه الحصين (٦) ، فسمّاه رسول الله صلىاللهعليهوآله عبد الله ،
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٨ : ٨.
(٢) الفتح : ٤٨ / ١ - ٥.
(٣) تفسير الرازي ٢٨ : ٨.
(٤) تفسير الرازي ٢٨ : ١٠.
(٥) تفسير الرازي ٢٨ : ٩ ، تفسير روح البيان ٨ : ٤٧٠.
(٦) في النسخة : الحفتين.