﴿فِيهِ﴾ من القدح والطعن في القرآن ، ونسبته إلى السحر تارة ، وإلى الافتراء اخرى ﴿كَفى بِهِ﴾ تعالى ﴿شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ فانّه يشهد بصدقي في دعوى الرسالة ، حيث أنزل عليّ أفضل الكتب السماوية ، وصدّق كتابي حيث جعله محتويا لجهات من الإعجاز ، فيجازيني على صدقي أفضل الجزاء ، ويعاقبكم على تكذيبي أشدّ العقوبة ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ﴾ لمن رجع عن الكفر وآمن بتوحيده ﴿الرَّحِيمُ﴾ بمن تاب وعمل صالحا بإعطاء جزيل الثواب ، وبمن أصرّ على الكفر بتأخير عقوبته إلى يوم الحساب.
﴿قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما
يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩)﴾
ثمّ لمّا اقترح المشركون على النبي صلىاللهعليهوآله معجزات غير ما أتى به ، أو بإخباره بالمغيبات على ما قيل (١) ، أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوآله بردّهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد ، لهؤلاء المقترحين ﴿ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ﴾ وأوّل من أرسل إلى البشر ، لوضوح أنّه أرسل قبلي كثير من الرسل ، وكلّهم دعوا الناس إلى ما أدعوكم إليه من توحيد الله وعبادته وطاعته ، وما أتوا إلّا بما آتاهم الله من المعجزات ، ولم يجيبوا اممهم بجميع ما سألوهم من خوارق العادات ، ولم يخبروهم إلّا بما اوحي إليهم من ربّهم ، فكيف تنكرون منّي أن دعوتكم إلى ما دعا إليه من قبلي من الرسل ؟ وكيف تقترحون عليّ ما لم يؤتيه الله إياي ؟
﴿وَما أَدْرِي﴾ ولا أعلم بغير الوحي من الله ﴿ما يُفْعَلُ بِي﴾ وأي شيء يصيبني فيما يغير من الحوادث ﴿وَلا بِكُمْ﴾ وإلى ما يصير أمري وأمركم في الدنيا ، وإنّما اخبركم ببعض الحوادث من هجرتي ، وغلبتي عليكم ، وظهور ديني على سائر الأديان بالوحي من الله ﴿إِنْ أَتَّبِعُ﴾ وما أقول وما أفعل ﴿إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ﴾ من ربّي ، لا أتجاوزه ﴿وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ﴾ ومخوّف من عقاب الله ﴿مُبِينٌ﴾ وموضح إنذاري لكم بلسانكم ، وبالمعجزات الدالة على صدقي.
عن ابن عباس : لمّا اشتدّ البلاء بأصحاب النبي صلىاللهعليهوآله بمكّة ، رأى في المنام أنّه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء ، فقصّها على أصحابه ، فاستبشروا بذلك ، ورأوا أنّ ذلك فرج ممّا هم فيه من اذى المشركين ثمّ انهم مكثوا برهة من الدهر لا يرون أثر ذلك ، فقالوا : يا رسول الله ، ما رأينا الذي قلت ، متى تهاجر الى الأرض التي رأيتها في المنام ؟ فسكت النبي صلىاللهعليهوآله ، فأنزل الله تعالى : ﴿ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ﴾ وهو شيء رأيته في المنام ، وأنا لا أتّبع إلّا ما أوحاه الله إليّ (٢) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٨ : ٧.
(٢) تفسير الرازي ٢٨ : ٨.