ثمّ لمّا بيّن سبحانه عدم استحقاق غير الله العبادة بالذات ، ولا يأمر الله ، بيّن غاية ضلال المشركين بعبادتهم ما لا شعور له ولا إدراك بقوله : ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ﴾ يترك عبادة الله ودعاءه و﴿يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ﴾ القادر على كل شيء ، العالم بالخفيات ﴿مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ﴾ دعاءه ﴿إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ لعدم قدرتهم على الجواب ﴿وَهُمْ﴾ مع عجزهم عن إجابة دعاء الداعين ﴿عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ﴾ وبه غير شاعرين ، لكونهم جمادات ، وفيه تهكّم بالأصنام وبعبدتها.
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان عدم نفع الأصنام بعابديهم في الدنيا ، بيّن عدم نفعهم إياهم في الآخرة بقوله : ﴿وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ﴾ حين قيام الساعة ، وجمعوا في عرصة القيامة ، وأحيا الله الأصنام ﴿كانُوا لَهُمْ أَعْداءً﴾ وأنكروا عبادة المشركين ﴿وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ﴾ ومكذّبين ، وقالوا : ما كنتم إيّانا تعبدون ، بل كنتم تعبدون أهواءكم.
ثمّ إنّه تعالى بعد إثبات التوحيد وإبطال الشرك ، حكى إنكار المشركين معجزات النبي صلىاللهعليهوآله بقوله: ﴿وَإِذا تُتْلى﴾ وتقرأ ﴿عَلَيْهِمْ آياتُنا﴾ القرآنية المشتملة على جهات من الاعجاز ليؤمنوا بها وبنبوة محمد صلىاللهعليهوآله حال كون تلك الآيات ﴿بَيِّناتٍ﴾ وواضحات الدلالة على كونها من الله ، وعلى رسالة محمد ، وحشر الناس للجزاء ﴿قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ عنادا ﴿لِلْحَقِ﴾ أو كفروا لأجل الحقّ وشأنه ، وهو الآيات المتلوّة عليهم ﴿لَمَّا جاءَهُمْ﴾ ذلك الحقّ ، وبمحض سماع الآيات من غير تدبّر فيها وتأمّل : ﴿هذا﴾ الذي جاءنا وتلي علينا ﴿سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ وباطل ظاهر بطلانه ، وواضح أنّه لا حقيقة له.
﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما
تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨)﴾
ثمّ أنكر سبحانه عليهم قولهم الآخر الأعجب من الأول بقوله : ﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ إنّ محمدا صلىاللهعليهوآله اختلق هذا القرآن و﴿افْتَراهُ﴾ على الله ، ونسبه كذبا إليه.
ثمّ أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بردّهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد ، لهؤلاء الكفّار : ﴿إِنِ﴾ اختلقت القرآن من قبل نفسي و﴿افْتَرَيْتُهُ﴾ على الله على سبيل الفرض كما تقولون ، فانّ الله يعاجلني بعقوبة هذا الافتراء ، وإن عاجلني بالعقوبة ﴿فَلا تَمْلِكُونَ لِي﴾ ولا تقدرون على أن تدفعوا عنّي ﴿مِنَ﴾ عذاب ﴿اللهِ شَيْئاً﴾ يسيرا إن كنتم مؤمنين بي ومدافعين عنّي ، فكيف يمكن أن اقدم على الافتراء ، وأعرّض نفسي للعقوبة التي لا مخلص منها !
ثمّ أمر سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله بتهديدهم بقوله : ﴿هُوَ﴾ تعالى ﴿أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ﴾ وما تخوضون