يعتنون ولا يبالون ، مع قيام البراهين القاطعة على صحّته ، وإخبار الرّسل بوقوعه ، ونطق الكتب السماوية به.
﴿قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ
فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ (٤)﴾
ثمّ إنه تعالى بعد إثبات التوحيد ، ردّ مذهب الشرك بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد ، لهؤلاء المشركين ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ أيها المشركون ، وأخبروني ﴿ما تَدْعُونَ﴾ وتعبدون ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ من الأصنام والأوثان ﴿أَرُونِي﴾ وبيّنوا لي ﴿ما ذا خَلَقُوا﴾ وأيّ جزء أوجدوا ﴿مِنْ﴾ أجزاء ﴿الْأَرْضِ﴾ متفردين بخلقه وإيجاده ؟ ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ﴾ مع الله ودخل ﴿فِي﴾ إيجاد ﴿السَّماواتِ﴾ أو ملكها أو تدبيرها حتى يكون لهم شأنية استحقاق للعبادة ؟ لا والله ليس لهم دخل في وجود شيء منهما ، فإذن تكون عبادتهم محض السّفه ، لعدم استحقاقهم لها ، بل الاستحقاق لخالقهما وخالق غيرهما من الموجودات ، وإنّ قلتم : إنّ الخالق المستحقّ بالذات للعبادة أمرنا بعبادة هذه الجمادات ﴿ائْتُونِي بِكِتابٍ﴾ وسند على ما تدّعون من قبل الله نازل عليكم ﴿مِنْ قَبْلِ هذا﴾ القرآن الناطق بالتوحيد والنهي عن عبادة غيره ﴿أَوْ أَثارَةٍ﴾ وبقية بقت عندكم من علم مختصّ بالأنبياء والرسل ، أو رواية رويتم ﴿مِنْ عِلْمٍ﴾ الأولين خصصتم به ، ولم يطّلع عليها غيركم.
عن ابن عباس ، أنّه قال : ﴿أَوْ أَثارَةٍ﴾ علم الخطّ الذي يخطّ في الرمل (١) .
﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في دعوى أمر الله بهذا ، فإذا لم يكن في الكتب السماوية ، ولا فيما نقل عن الأنبياء ما يدلّ على صحّة دينكم ، كان بطلانه ظاهرا واضحا ، مع أنّه قد دلّت الأدلّة القطعية العقلية والنقلية على خلافه.
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ
عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ * وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ
كافِرِينَ * وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ
هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٥) و (٧)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٨ : ٥.