المبالغة في قبح هذه الامور بحيث ينهى عنها من يمتنع صدورها منه ، فكيف بغيره ، أو نهي امّته بطريق إيّاك أعني واسمعي يا جارة.
وقيل : يعني لا تعتمد على غير الله ، ولا تتّخذ وكيلا في امورك سواه (١) ، لأنّه ﴿لا إِلهَ﴾ يلتجأ إليه في دفع المضارّ وجلب المنافع ﴿إِلَّا هُوَ﴾ تعالى وحده ، فانّه القادر القاهر الغالب على كلّ شيء و﴿كُلُّ شَيْءٍ﴾ من الروحانيات والجسمانيات ﴿هالِكٌ﴾ وفان ﴿إِلَّا وَجْهَهُ﴾ وذاته ، لأنّه الواجب الوجود الذي يمتنع عليه الفناء.
وقيل : يعني إلّا ما اريد به وجهه من الأعمال (٢) .
وفي الأثر : يجاء بالدنيا يوم القيامة فيقال : ميّزوا ما كان منها لله ، ثمّ يؤمر بسائرها فيلقى في النار(٣) .
وقيل : يعني سلطانه وملكه الذي لا يزال.
وعن الصادق عليهالسلام ، قال : « كلّ شيء هالك إلّا من أخذ طريق الحقّ » (٤) .
وعنه عليهالسلام : « من أتى الله بما أمره من طاعة محمّد والائمّة عليهمالسلام من بعده ، فهو الوجه الذي لا يهلك » ثمّ قرأ ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ﴾(٥).
أقول : المراد أنّ كلّ مطيع لله ولرسوله ، فهو وجه الله الذي يواجه به خلقه ، وهو باق في الجنان مرزوق عند ربّه أبدا ، ومن هو عاص لله ولرسوله ، فهو من الهالكين ، وعنه عليهالسلام : « إنّما عنى بذلك وجه الله الذي يؤتى منه » (٦) .
وعن الباقر عليهالسلام : « أنّ الله عزوجل أعظم من أن يوصف بالوجه ، لكن معناه كلّ شيء هالك إلّا دينه ، والوجه الذي يؤتى منه » (٧) .
أقول : الظاهر أنّ الجملة الأخيرة تفسير الدين ، والمراد بالوجه فيها الجهة التي يؤتى منها ، ويحتمل أن يكون المراد الهداة إلى الله ، فانّهم السبب الذي يقبل الله ويتوجّه بهم إلى خلقه ، بل لا فرق بين المعنيين ، فانّهم عليهمالسلام لشدّة التزامهم بالدين كأنهم صاروا مجسّمته.
عن الصادق عليهالسلام : ﴿إِلَّا وَجْهَهُ﴾ قال : « دينه ، وكان رسول الله وأمير المؤمنين عليهماالسلام دين الله ووجهه ، وعينه في عباده ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده على خلقه ، ونحن وجه الله الذي يؤتى منه ، لن نزل في
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ٢١.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٤٤٣ ، مجمع البيان ٧ : ٤٢١.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٤٤٣.
(٤) التوحيد : ١٤٩ / ٢ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٨.
(٥) التوحيد : ١٤٩ / ٣ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٨ ، والآية من سورة النساء : ٤ / ٨٠.
(٦) الكافي ١ : ١١١ / ١ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٨.
(٧) التوحيد : ١٤٩ / ١ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٨ ، المحاسن : ٢١٨ / ١١٦.