عباده ما دام لله فيهم رويّة » قيل : ما الرّوية ؟ قال : « الحاجة وإذا لم تكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع بنا ما أحبّ » (١) .
وعن الباقر عليهالسلام - في هذه الآية - قال : « أفيفنى كلّ شيء ويبقى الوجه ؟ » ثمّ قال : « الله أعظم من أن يوصف ثمّ فسّره بالتفسير السابق » (٢) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام بعد تفسير الوجه بالدّين قال : « لأنّ من المحال أن يهلك منه كلّ شىء ويبقى الوجه ، وهو أجلّ وأعظم من ذلك ، وإنّما يهلك ما ليس منه ، ألا ترى أنّه تعالى قال : ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ* وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ﴾(٣) ففضل بين خلقه ووجهه » (٤) .
أقول : حاصل المراد أنّ الوجه هو الجهة التي بها يقبل الشيء إلى غيره ، والله منزّه عن الجهة والعضو ، فالمراد منه ما هو سبب إقباله إلى خلقه وهو دينه وحججه الذين ببركتهم تنزل الرحمة.
قيل : إنّ مرجع ضمير وجهه هو الشيء ، ووجه الشيء هو الذي يلي جهته تعالى ، فانّ كلّ شيء مركّب من الوجود والماهية والثاني اعتباري لا خارج له (٥) ، اتصافه بالوجود بالعرض والمجاز ، فانّ العدم لا يصير في الحقيقة معروضا للوجود الذي هو نقيضه ، كما لا يصير الوجود معروضا للعدم ، ولا يقال : انعدم الوجود ، بل يحصل بينهما إضافة اعتبارية يقال بها الماهية موجودة ، وصار الموجود معدوما ، والوجود المطلق وجه الله ، وهو باق أبدا ، والماهية باعتبار إضافتها إلى الوجود هالكة.
قيل : إنّه ورد في حديث : أنّ الضمير راجع إلى الشيء ، ثمّ فسّره بأنّ وجه الشيء لا يهلك ما يقابل منه إلى الله ، وهو روحه وحقيقته وملكوته ، ومحلّ معرفة الله منه التي تبقى بعد فناء جسمه وشخصه(٦).
ثمّ إنه تعالى بعد بيان ثبوت ذاته ، بيّن ثبوت الحكم لنفسه في عالم الوجود بقوله : ﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾ والقضاء النافذ في كلّ شيء ، وفي جميع العوالم ﴿وَإِلَيْهِ﴾ وحده ﴿تُرْجَعُونَ﴾ عند البعث للجزاء بالحقّ والعدل ، وقد استدلّت المجسّمة بهذه الآية حيث أثبت سبحانه لنفسه الوجه (٧) ، وبطلانه ظاهر بحكم العقل والروايات السابقة.
الحمد لله على ما أنعم عليّ من التوفيق لإتمام تفسير السورة المباركة ، وأسأله التوفيق لتفسير ما بقي من السور المباركات بمحمد وآله الطاهرين.
__________________
(١) التوحيد : ١٥١ / ٧ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٨.
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٤٧ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٩.
(٣) الرحمن : ٥٥ / ٢٦ و٢٧.
(٤) الاحتجاج : ٢٥٣ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٩.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ٤٤٣.
(٦) تفسير الصافي ٤ : ١٠٩.
(٧) تفسير الرازي ٢٥ : ٢٤.