فنزل جبرئيل وقال : تشتاق إلى بلدك ومولدك ؟ قال : « نعم . فقال جبرئيل : إنّ الله يقول : ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ﴾ يعني إلى مكّة ظاهرا على أهلها » (١) .
أقول : يمكن كون المراد بالمعاد الدنيوي والاخروي.
وعن السجّاد : « يرجع إليكم نبيّكم صلىاللهعليهوآله وأمير المؤمنين والأئمّة عليهمالسلام » (٢) .
وعن الباقر عليهالسلام : « أنّه ذكر عنده (٣) جابر فقال : رحم الله جابرا ، لقد بلغ من علمه أنّه كان يعرف تأويل هذه الآية » يعني الرجعة (٤) .
ثمّ أمره سبحانه ببيان علّة استحقاقه الردّ إلى معاد عظيم الشأن بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى﴾ والتزم بالدين الحقّ ، وما يستحقّه من الثواب في الدارين ﴿وَمَنْ هُوَ﴾ منهمك ﴿فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وانحراف واضح عن الحقّ وما يستحقّه من الهوان والعذاب في النشأتين.
﴿وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً
لِلْكافِرِينَ * وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا
تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ
إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٦) و (٨٨)﴾
ثمّ استشهد سبحانه على تخصيصه بأفضل الكرامة بتخصيصه بنزول القرآن الذي هو أفضل الكتب عليه بقوله : ﴿وَما كُنْتَ تَرْجُوا﴾ يا محمد ﴿أَنْ يُلْقى﴾ وينزل ﴿إِلَيْكَ الْكِتابُ﴾ الذي هو أفضل الكتب ، وما كان ذلك ﴿إِلَّا رَحْمَةً﴾ عظيمة عليك خاصّة بك ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ اللّطيف بك لم يشركك فيها غيرك من الرّسل ، فاذا علمت غاية لطفه بك ﴿فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً﴾ وعونا ﴿لِلْكافِرِينَ﴾ الذين هم أعداؤه بالمداراة معهم ، والتحمّل عنهم ، والاجابة إلى طلبتهم ، بل كن عدوّهم وعونا للمؤمنين الذين هم أحباؤه ﴿وَلا يَصُدُّنَّكَ﴾ هؤلاء المشركون ولا يصرفنّك ﴿عَنْ﴾ تلاوة ﴿آياتِ اللهِ﴾ القرآنية ، وتبليغها ، والعمل بها ﴿بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ﴾ تلك الآيات ﴿إِلَيْكَ﴾ وتليت عليك ﴿وَادْعُ﴾ الناس ﴿إِلى﴾ توحيد ﴿رَبِّكَ﴾ وعبادته ﴿وَلا تَكُونَنَ﴾ البتة أبدا ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ في الالوهية ، أو في الدعوة ﴿وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ﴾.
لعلّ النّكتة في هذه الخطابات قطع أطماع المشركين منه صلىاللهعليهوآله ، فانّهم كانوا يدعونه إلى دينهم ، أو
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٥ : ٢١.
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٤٧ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٧.
(٣) في تفسير القمي : سئل عن.
(٤) تفسير القمي ٢ : ١٤٧ ، تفسير الصافي ٤ : ١٠٧.