ثمّ وبّخهم سبحانه على إنكارهم البعث والمعاد بقوله : ﴿وَقالُوا﴾ من غاية جهلهم وضلالهم : ليس حياتنا و﴿ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا﴾ في ﴿الدُّنْيا﴾ التي نحن فيها ﴿نَمُوتُ﴾ فيها تارة ﴿وَنَحْيا﴾ فيها اخرى ، وليس وراء ذلك حياة في عالم آخر ، كما تدّعون ، وتأخير ( نحيى ) لمراعاة شبه الفواصل ، والواو لمطلق الجمع ، كذا قيل (١) . وقيل : إنّهم كانوا يقولون بالتناسخ (٢) . وقيل : إنّ المراد بالموت كونهم نطفا في أصلاب الآباء وأرحام الامهات (٣) . وقيل : إنّ المراد بالحياة المذكورة بعد الموت حياتهم بسبب بقاء الأولاد (٤) . وقيل : إنّ المراد موت بعض ، وحياة بعض (٥) .
ثمّ حكى سبحانه إنكارهم كون الموت بقبض ملك الموت أرواح الناس ، بل هو بالطبيعة بقوله حكاية عنهم : ﴿وَما يُهْلِكُنا﴾ ويميتنا شيء ﴿إِلَّا الدَّهْرُ﴾ وطول زمان الحياة ، أو حركات الأفلاك وتأثير الطبائع ، فليس الموت بيد الفاعل المختار ، فجمعوا بين إنكار الإله وإنكار المعاد ، فردّهم سبحانه بقوله : ﴿وَما لَهُمْ بِذلِكَ﴾ القول من حصر الحياة بالحياة الدنيوية ، وكون الموت بتأثير الطبيعة والدهر شيء ﴿مِنْ عِلْمٍ﴾ وحجّة قاطعة تورث اليقين ، بل ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ بسبب تقليد آبائهم ، ولا ينبغي للعاقل أن يعتمد في هذه العقائد التي في خطئها خطر عظيم على الظنّ والحسبان ، بل لا بدّ من الحجّة القاطعة العقلية والنقلية ، كما هو طريقة المؤمنين.
﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ * قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ
فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ
السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٥) و (٢٧)﴾
ثمّ حكى سبحانه معارضتهم الآيات الدالة على البعث ، فردّهم إياها بما يكون فساده أظهر من الشمس بقوله : ﴿وَإِذا تُتْلى﴾ وتقرأ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ لإثبات البعث ﴿آياتُنا﴾ الدالة على إمكانه ووقوعه مع كونها ﴿بَيِّناتٍ﴾ وواضحات الدلالات عليه ، وكقولنا : ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى﴾(٦) وقولنا : ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾(٧) وقولنا : ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾(٨) .
﴿ما كانَ حُجَّتَهُمْ﴾ بزعمهم ودليلهم على إبطال ما نطقت به الآيات شيء ﴿إِلَّا أَنْ قالُوا﴾ سفها
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ٤٤٩.
(٢) تفسير البيضاوي ٢ : ٣٨٩ ، تفسير أبي السعود ٨ : ٧٣ ، تفسير روح البيان ٨ : ٤٤٩.
(٣-٥) تفسير الرازي ٢٧ : ٢٦٩.
(٦) فصلت : ٤١ / ٣٩.
(٧) الروم : ٣٠ / ٢٧.
(٨) يس : ٣٦ / ٧٩.