وكمال صفاته التي ﴿نَتْلُوها عَلَيْكَ﴾ يا محمد ، بتوسّط جبرئيل ، حال كونها مقرونة ﴿بِالْحَقِ﴾ ودلائل الصدق بعيدة عن الباطل والكذب.
ثمّ ذمّ المشركين بقوله : ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ﴾ وبيان يحثّهم إلى الايمان ، أو أي برهان على التوحيد ﴿بَعْدَ﴾ حديث ﴿اللهِ وَآياتِهِ﴾ المنزلة على سبيل الاعجاز ، والمبينة للدلائل الواضحة ، أولئك المشركون ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ بالتوحيد ، فانّه ليست آية ومعجزة أعظم من تلك الآيات ، وليس برهان على التوحيد أتقن من تلك البراهين ، وليس بيان أوضح وأفصح من بيان الله ، فاذا لم يؤمنوا بها لم يؤمنوا بغيرها أبدا. قيل : إنّ المعنى فبأيّ حديث بعد آياته يؤمنون (١) وانما ذكر سبحانه اسم الجلالة في الآية تعظيما للآيات.
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان إصرار المشركين على الشرك ، وامتناعهم عن الايمان ، هدّدهم سبحانه بقوله: ﴿وَيْلٌ﴾ وعذاب شديد ﴿لِكُلِّ أَفَّاكٍ﴾ وكذّاب في إخباره بأنّ القرآن سحر أو شعر أو كلام بشر ﴿أَثِيمٍ﴾ ومصرّ على الذنب والعصيان.
﴿يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ
أَلِيمٍ (٨)﴾
ثمّ ذكر سبحانه من عظام ذنوبه أنّه ﴿يَسْمَعُ آياتِ﴾ القرآن المنزل من ﴿اللهِ﴾ حين ﴿تُتْلى﴾ وتقرأ ﴿عَلَيْهِ﴾ لأن يؤمن بها ، وينقاد لما فيها ﴿ثُمَّ يُصِرُّ﴾ على كفره ، ويدوم على ضلالته ومعارضته ، مع أنّ حقّها الإذعان والانقياد لها ، لما فيها من جهات الاعجاز ، وهو يعرض عنها حال كونه ﴿مُسْتَكْبِراً﴾ ومتأنّفا عن الايمان بها ، وتعظّما نفسه عن التسليم لما فيها ، معجبا بما عنده من الأباطيل ، وهو في عدم تأثّر قلبه بها ﴿كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها﴾ وفي عدم الانتفاع بها كأن لم يشعر بها ﴿فَبَشِّرْهُ﴾ يا محمد ، وسرّ قلبه بإخباره ﴿بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾ حيث إنّه باصراره بما يوجبه ، وجده في إيجاد أسبابه ، كأنّه طالب وشائق إليه.
قيل : نزلت في النّضر بن الحارث بن عبد الدار ، كان يشترى من أحاديث الأعاجم كحديث رستم وإسفنديار ، ويشغل الناس بها عن استماع القرآن (٢) .
﴿وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ * مِنْ وَرائِهِمْ
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٨ : ٦٨ ، تفسير روح البيان ٨ : ٤٣٧.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ٤٣٨.