مربوب ، ونزّهوه عن كلّ ما يصفه الكافرون به من صفات الأجسام ، فانّه لو كان جسما لم يقدر على خلق هذا العالم وتدبيره (١) .
ثمّ هدّدهم سبحانه على عدم إذعانهم للحقّ بعد إلزامهم عليه بالبرهان القاطع بقوله : ﴿فَذَرْهُمْ﴾ يا محمد ، واتركهم حتى ﴿يَخُوضُوا وَ﴾ يستغرقوا في أباطيلهم وشهواتهم ﴿يَلْعَبُوا﴾ بدنياهم ويشتغلوا بملاهيهم ليزدادوا شقاوة واستحقاقا للعقوبة ﴿حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ﴾ ويصلوا إلى وقتهم ﴿الَّذِي﴾ كانوا ﴿يُوعَدُونَ﴾ فيه بالعذاب من قبلنا ، فيروا صدق وعدنا وسوء عاقبة خوضهم ولعبهم ، أو يوعدون على لسانك بمجيئه ، وهو يوم القيامة ، وهم ينكرون مجيئه.
وقيل : هو يوم موتهم ، لأنه متّصل بيوم القيامة ، كما قال صلىاللهعليهوآله:« من مات فقد قامت قيامته » ولذا جعل خوضهم ولعبهم منتهيين إليه (٢) .
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * وَتَبارَكَ
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ * وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٤) و (٨٦)﴾
ثمّ أعلن سبحانه بتوحيده بقوله تعالى : ﴿وَهُوَ﴾ تعالى وحده ﴿الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ﴾ معبود بالحقّ ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ أيضا ﴿إِلهٌ﴾ ومعبود لا معبود فيهما سواه ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ﴾ الذي يدبّر بحكمته البالغة امور العوالم ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأحوال جميع الموجودات أزلا وأبدا ﴿وَتَبارَكَ﴾ وتعالى عن الولد والشريك ، أو كثر خير الاله ﴿الَّذِي لَهُ﴾ بالإشراق والإيجاد ﴿مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما﴾ من الموجودات والسلطنة التامة عليها إيجادا وإعداما وتصرّفا وتدبيرا ﴿وَعِنْدَهُ﴾ وخاصته وحده ﴿عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ التي تقوم فيها القيامة ﴿وَإِلَيْهِ﴾ أيّها الناس ﴿تُرْجَعُونَ﴾ بالموت وتردّون للحساب والجزاء ، فاستعدوا للقائه ، وبادروا إلى تحصيل مرضاته.
ثمّ إنّه تعالى بعد إبطال القول بأنّ الملائكة بنات الله ، نفى كونهم وكون غيرهم من المعبودين شفعاء عنده بقوله : ﴿وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ هؤلاء المشركون ويعبدونهم ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى ﴿الشَّفاعَةَ﴾ عند الله للعصاة ، ولا يقدر عليها ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ﴾ وأعترف بتوحيد الله في الالوهية والعبادة ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ما يشهدون به عن بصيرة ، ويوقنون به عن شهود أو برهان ، كالملائكة ،
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ٣٩٦.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ٣٩٧.