وعيسى ، وعزير. ومن الواضح أنّهم لا يشفعون لمن خالفهم في العقائد.
وقيل : إنّ المعنى أنّهم لا يقدرون على الشفاعة إلّا لمن شهد بالحق (١) ، واعترف به ، من اختصاص استحقاق العبادة بالله ، وهم المؤمنون الموحّدون ، فليس للمشركين أن يرجوا الشفاعة.
روي أنّ النّضر بن الحارث ونفرا معه قالوا : إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولّى الملائكة ، فهم أحقّ بالشفاعة من محمد ، فأنزل الله هذه الآية (٢) .
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ
قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٧) و (٨٩)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أنّ المشركين مجبولون على التوحيد بقوله : ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ﴾ وأخرجهم من كتم العدم إلى الوجود ، والله ﴿لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ خلقنا ، لعدم إمكان غير ذلك لأحد ممّن يشمّ [ منه ] رائحة العقل ﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ ويصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره ، مع اعترافهم بأنّهم كلّهم مخلوقون له ، أو المراد لم يكذّبون على الله بأنّه أمرهم بعبادة الأصنام ؟
ثمّ إنّه تعالى بعد ذكر علمه بالسعة التي لا يعلمها غيره ذكر علمه بشكوى نبيه صلىاللهعليهوآله من قومه بقوله : ﴿وَقِيلِهِ﴾ وشكواه من قومه بقوله : ﴿يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ﴾ الكفّار ﴿قَوْمٌ﴾ وجمع ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ بي وبكتابي.
وقيل : إنّ واو ( وقيله ) واو القسم (٣) ، والمعنى : اقسم بقول رسولي يا ربّ ، وجواب القسم : إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون ، فيكون المجموع كلام الله. وفي حلفه تعالى بقول رسوله إظهار لكمال عظمته ، ورفعة شأنه ، وتفخيم دعائه ، والتجائه إليه.
وعن ابن عباس : أنّ المعنى : وقيل يا ربّ ، والهاء زائدة (٤) .
ثمّ سلّى سبحانه رسوله صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿فَاصْفَحْ﴾ يا حبيبي ، وأعرض ﴿عَنْهُمْ﴾ واقنط عن إيمانهم ﴿وَقُلْ﴾ متاركة لهم ﴿سَلامٌ﴾ عليكم ، تسلمون أنتم من إيذائي ، وأسلم أنا من كيدكم ، لا خلاف بيني وبينكم.
ثمّ هدّدهم سبحانه بقوله : ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ وخامة عاقبة كفرهم ، ومتاركة إياهم ، وإن تأخّر ذلك ، فانّ كلّ آت قريب.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٧ : ٢٣٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٧ : ٢٣٢.
(٣) تفسير أبي السعود ٨ : ٥٧ ، تفسير روح البيان ٨ : ٣٩٩.
(٤) تفسير الرازي ٢٧ : ٢٣٤.