والعصاة ﴿فِي عَذابِ جَهَنَّمَ﴾ وشدائدها ﴿خالِدُونَ﴾ ومقيمون أبدا ، لا ينقطع عنهم لحظة و ﴿لا يُفَتَّرُ﴾ ولا يخفّف ﴿عَنْهُمْ﴾ ساعة ﴿وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ وآيسون من الخلاص. عن الضحاك : يجعل المجرم في تابوت من النار ، ثمّ يقفل عليه ، فيبقى فيه لا يرى ولا يرى (١) .
ثمّ نبّه سبحانه بأن عذابهم بمقتضى العدل بقوله : ﴿وَما ظَلَمْناهُمْ﴾ بإخلادهم في العذاب الشديد ﴿وَلكِنْ كانُوا﴾ في الدنيا ﴿هُمُ الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بتعريضها للعذاب الدائم ، حيث اختاروا الكفر والعصيان.
﴿وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ * لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ
وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٧) و (٧٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه شدّة عذابهم بقوله : ﴿وَنادَوْا﴾ تمنّيا أربعين سنة ، أو مائة ، أو الف سنة ، كما عن ابن عباس (٢)﴿يا مالِكُ﴾ جهنّم ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنا﴾ وليميتنا ﴿رَبُّكَ﴾ حتى نستريح.
روي أنّه يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب ، فيقولون : ادعوا مالكا ، فيدعون : ﴿يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ﴾(٣) ولا ينافي هذه الاستغاثة إياسهم من الخلاص ، فانّ الإياس يكون من الخروج والعفو ، والسؤال راجع إلى الموت ، وقيل في رفع التنافي : إنّ أوقاتهم وأحوالهم مختلفة ، فيسكتون أوقاتا لغلبة يأسهم ، ويستغيثون أوقاتا لشدّة عذابهم (٤).
وعلى أي تقدير ﴿قالَ﴾ مالك في جوابهم بعد مدة إهانة لهم : يا أهل النار ﴿إِنَّكُمْ﴾ إلى الأبد ﴿ماكِثُونَ﴾ ومقيمون فيها ، لا خلاص لكم منها بموت ولا بغيره. ثمّ قال لهم من قبل الله : والله ﴿لَقَدْ جِئْناكُمْ﴾ في الدنيا ﴿بِالْحَقِ﴾ وأعلمناكم بتوسّط الرسول والكتاب السماوي بالدين المرضي عند ربّكم ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِ﴾ وذلك الدين ﴿كارِهُونَ﴾ ومنه متنفّرون ، وعنه معرضون ، لمنافاته لشهواتكم ، فكان تماديكم في الكفر وانهما ككم في الشهوات سببا لبقائكم في العذاب وخلودكم في النار ، فلا مجال لتوقّع النجاة.
﴿أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى
وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ * قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٧٩) و (٨١)﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ٣٩٣ ، ولم ينسب إلى أحد.
(٢) تفسير الرازي ٢٧ : ٢٢٧ ، تفسير أبي السعود ٨ : ٥٥.
(٣) تفسير الرازي ٢٧ : ٢٢٧.
(٤) تفسير الرازي ٢٧ : ٢٢٧.