ورووا أنه يجتمع عيسى والمهدي ، فيقوم عيسى بالشريعة ، والمهدي بالسيف (١) . وقال بعضهم : أنّ عيسى يصلّي بالناس ، والمهدي يقتدي به (٢) ، وقال بعضهم : يؤمّ المهدي ، ويقتدي به عيسى (٣) ، واتّفق أصحابنا على أنّ عيسى يقتدي بالمهدى عليهالسلام فانّ السلطنة الإلهية للمهدي ، وعيسى معينة وتبعة.
وقيل : إنّ ضمير ( إنه ) راجع إلى القرآن (٤) ، والمعنى أنّ القرآن لعلم للساعة ، لما فيه من الإعلام بها ، والدلالة عليها.
﴿وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي
تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا
صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ
يَوْمٍ أَلِيمٍ * هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٣) و (٦٦)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه عظمة شأن عيسى ، حكى دعوته إلى التوحيد والمعارف الإلهية بقوله : ﴿وَلَمَّا جاءَ عِيسى﴾ من جانب الله إلى بني إسرائيل مستدلا على رسالته ﴿بِالْبَيِّناتِ﴾ والمعجزات الباهرات كاحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وغيرهما ﴿قالَ﴾ يا بني إسرائيل ، إنّي ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ﴾ والمعارف الإلهية التي يجب عليكم تعلّمها ﴿وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ﴾ وتتنازعون ﴿فِيهِ﴾ من الامور الدينية التي بيانها وظيفة الأنبياء. وعن ابن عباس : أنّ البعض هنا بمعنى الكلّ (٥) .
﴿فَاتَّقُوا اللهَ﴾ يا بني إسرائيل ، وخافوه في مخالفتي ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ واقبلوا منّي ما ابلّغكم من ربي ، واعملوا به ، واعلموا أنّ أهمّ ما ابلّغكم به التوحيد ، فانّي أقول : ﴿إِنَّ اللهَ﴾ تعالى وحده ﴿هُوَ﴾ بالخصوص ﴿رَبِّي وَرَبُّكُمْ﴾ وربّ كلّ شيء ، لا شريك له في الالوهية واستحقاق العبادة ، إذا علمتم ذلك ﴿فَاعْبُدُوهُ﴾ وحده بخلوص النية ، ولا تعبدوني ولا تعبدوا غيري ممّا سواه ﴿هذا﴾ التوحيد والإخلاص في عبادته ﴿صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ يوصل سالكه إلى جميع الخيرات ، ويؤدّيه إلى أكمل السعادات ﴿فَاخْتَلَفَ﴾ اليهود والنصارى في أمر الله وشأن عيسى بعد ثلاثمائة سنة من رفعه ، على ما قيل (٦) ، وحدثت ﴿الْأَحْزابُ﴾ والفرق العديدة ﴿مِنْ بَيْنِهِمْ﴾ فحزب قالوا : إنّه رسول الله وعبده ،
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ٣٨٤.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ٣٨٥.
(٣) تفسير روح البيان ٨ : ٣٨٥.
(٤) جوامع الجامع : ٤٣٦ ، تفسير أبي السعود ٨ : ٥٣.
(٥) تفسير روح البيان ٨ : ٣٨٥.
(٦) تفسير روح البيان ٨ : ٣٨٦.