أرسله حتى يخلّصه من القتل ، فانّي أرى صلاح مملكتي في قتله ﴿إِنِّي أَخافُ﴾ إن لم أقتله من ﴿أَنْ يُبَدِّلَ﴾ ويغيّر ﴿دِينَكُمْ﴾ الذي أنتم عليه من عبادة الأصنام ﴿أَوْ أَنْ﴾ يفسد ديناكم و﴿يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ﴾ التي تسكنونها ، والمملكة التي تعيشون فيها ﴿الْفَسادَ﴾ ولا اختلاف بأن يجتمع عليه قومه ، فيقع القتال والخصومات ، وتثار (١) الفتن.
قيل : إنّ ملأ فرعون كانوا يمنعونه من قتل موسى ، ويقولون : لا تقتله إنّه ساحر ضعيف ، لا يمكنه أن يغلب سحرتك ، وإن قتلته دخلت الشّبهة على الناس ، وقالوا : إنّه كان محقّا ، وهم عجزوا عن جوابه (٢) .
وقيل : إنّه لم يمنعه أحد من قتله ، وأوهم اللعين أنّهم كفّوه عن قتله ، ولولاهم لقتله ، وما منعه عنه إلّا ما في نفسه من الفزع الهائل العاجل إن همّ بقتله ، لعلمه بنبوته (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام ، أنّه سئل عن (٤) هذه الآية : ما منعه ؟ قال : « منعته رشدته ، ولا يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلّا أولاد الزّنا » (٥) .
﴿وَقالَ مُوسى﴾ لقومه بعد ما سمع حديث قتله : يا قوم ﴿إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾ والتجأت إليه ، وامتنع بحصنه المنيع ﴿مِنْ﴾ شرّ ﴿كُلِ﴾ شخص ﴿مُتَكَبِّرٍ﴾ ومتعظّم عن التسليم لله ولرسوله ، والايمان بهما و﴿لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ﴾ فانّ المتكبّر المؤمن بالمعاد قد يرتدع من المعاصي العظام ، لخوف المعاد ، بخلاف المتكبر غير المؤمن فانّه لا يبالي من شيء ، وإنّما لم يسمّ فرعون لتعميم الاستعاذة ، وللتنبيه على علّة القساوة والجرأة على الله ، ولرعاية حقّ التربية التي كانت لفرعون عليه.
﴿وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ
وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً
يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يا قَوْمِ
لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ
فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ * وَقالَ الَّذِي آمَنَ
يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ
وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ * وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ
__________________
(١) في النسخة : وتثير.
(٢) تفسير الرازي ٢٧ : ٥٤ ، تفسير روح البيان ٨ : ١٧٤.
(٣) تفسير روح البيان ٨ : ١٧٥.
(٤) في النسخة : في.
(٥) علل الشرائع : ٥٧ / ١ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٣٩.