﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ * إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ
فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ * وَقالَ فِرْعَوْنُ
ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي
الْأَرْضِ الْفَسادَ * وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ
بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٣) و (٢٧)﴾
ثمّ ذكر سبحانه من الرسل الذين أتوا قومهم بالبينات موسى بن عمران عليهالسلام ، الذي كان عظيم الشأن ، كثير المعجزات تسلية للنبي صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى﴾ بن عمران عليهالسلام متمسّكا ومستدلا على صدقه في دعوى الرسالة والتوحيد ﴿بِآياتِنا﴾ الباهرات والمعجزات الظاهرات ﴿وَسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ وحجّة عقلية واضحة.
وقيل : إنّ المراد به معجزة العصا خصّها بالذكر مع كونها من جملة الآيات تفخيما لشأنها (١)﴿إِلى فِرْعَوْنَ﴾ سلطان مصر ﴿وَهامانَ﴾ وزيره ﴿وَقارُونَ﴾ الاسرائيلي الذي ارتدّ بعد إيمانه بموسى وحفظه التوراة ، وأتباعهم من القبط وغيرهم ، فدعاهم إلى الإيمان بالتوحيد ورسالته ، وأظهر لهم المعجزات ﴿فَقالُوا﴾ عنادا ولجاجا : هو ﴿ساحِرٌ﴾ يظهر خوارق العادة بالسّحر ﴿كَذَّابٌ﴾ في دعوى توحيد الإله ورسالة نفسه من قبله ، وإنّما أتى بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة لتكرّر الدعوة منه ، ولم يبالغوا في نسبة السحر إليه لعدم تكرّره منه ، ولزعمهم أنّ سحرتهم أسحر منه ، ولذا قالوا في حقّهم : سحّار عليم.
ثمّ بيّن سبحانه شدّة عناد القوم له بقوله : ﴿فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِ﴾ وأظهر لهم المعجزات التي كانت له ﴿مِنْ عِنْدِنا﴾ وبأقدارنا ﴿قالُوا﴾ أيّها القبط : ﴿اقْتُلُوا أَبْناءَ﴾ بني إسرائيل ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بموسى ويكونون ﴿مَعَهُ﴾ في الايمان بالتوحيد ، لئلا ينشأوا على دين موسى ويعينوه عليه ﴿وَاسْتَحْيُوا﴾ وأبقوا ﴿نِساءَهُمْ﴾ وبناتهم ليخدمنكم ، كما تفعلون ذلك من قبل ﴿وَما كَيْدُ﴾ هؤلاء ﴿الْكافِرِينَ﴾ ومكرهم وسوء صنيعهم ﴿إِلَّا فِي ضَلالٍ﴾ وضياع وبطلان ، لا يفوزون به إلى مقصودهم ، ولا يمنعون به عن نفوذ إرادة الله وجريان قضائه. وقيل : يعني ما كيدهم إلّا في ازدياد ضلالهم (٢) .
﴿وَقالَ فِرْعَوْنُ﴾ لملئه ﴿ذَرُونِي﴾ ودعوني ﴿أَقْتُلْ مُوسى وَ﴾ خلّوه ﴿لْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ الذي يدّعي أنّه
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ١٧٣.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ١٧٤.