تزول الأسباب ، وتنعزل الارباب ، ولا يبقى غير حكم مسبّب الأسباب (١).
﴿الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ *
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ
حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٧) و (١٨)﴾
ثمّ أعلن سبحانه بعدله في المجازات بقوله : ﴿الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ﴾ من النفوس ﴿بِما كَسَبَتْ﴾ وعملت في الدنيا خيرا أو شرا ﴿لا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ بوجه من الوجوه على أحد ، لا بزيادة العقاب ، ولا بنقص الثواب ﴿إِنَّ اللهَ﴾ تعالى مع كثرة الخلق ﴿سَرِيعُ الْحِسابِ﴾ بحيث يحاسب جميعهم في أقرب زمان ، إذ لا يشغله شأن عن شأن.
عن ابن عباس رضى الله عنه : إذا أخذ الله في حسابهم ، لم يقل أهل الجنّة إلّا فيها ، ولا أهل النار إلّا فيها (٢).
ثمّ بالغ سبحانه في تخويف الكفّار من أهوال القيامة بقوله : ﴿وَأَنْذِرْهُمْ﴾ يا محمّد ﴿يَوْمَ﴾ القيامة ﴿الْآزِفَةِ﴾ والقريبة الوقوع ؛ لأنّ كلّ آت قريب ﴿إِذِ الْقُلُوبُ﴾ فيه ترتفع من مكانها من شدّة الخوف والفزع وتقف ﴿لَدَى الْحَناجِرِ﴾ وتلتصق بالحلقوم ، فلا تعود فيتنفّسوا أو يستروحوا ، ولا تخرج فيموتوا ، قيل : تنتفح الرّئة من الفزع ، فيرتفع القلب إلى الحنجرة (٣) ، حال كون أصحاب القلوب ﴿كاظِمِينَ﴾ وحابسين غيظهم في أنفسهم بالصبر ، وساكتين حال امتلائهم بالغمّ والكرب ، وعاجزين عن إظهارهما والنّطق بهما من شدّة غلبتهما عليهم ، وعظم اضطرابهم من أهوال ذلك اليوم ، ورؤية العذاب المعدّ لهم و﴿ما لِلظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم في الدنيا بالكفر والطغيان ما به نجاتهم منه ﴿مِنْ حَمِيمٍ﴾ وقريب مشفق يدفع عنهم العذاب ببذل النفس والمال ﴿وَلا﴾ لهم في ذلك اليوم من ﴿شَفِيعٍ﴾ يشفع لهم و﴿يُطاعُ﴾ في شفاعته ، ويقبل قولهم والتماسهم النجاة لهم. وفيه ردّ على المشركين الزاعمين أنّ الأصنام شفعائهم عند الله ، ويقبل شفاعتهم البتة.
﴿يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ
مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١٩) و (٢٠)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد ذكر أعظم موجبات الخوف ، بيّن علمه بجميع أعمال العباد وذنوبهم ، بحيث لا
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٧ : ٤٧ قطعة منه.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ١٦٩.
(٣) تفسير روح البيان ٨ : ١٧٠.