سماويّ فضلا عن غيره ، ويمكن كون النّكتة في توصيف ذاته هنا بالوصفين ، التنبيه على قدرته على إثابة المؤمنين به العاملين بما فيه ، وتعذيب المكذبين المعرضين عنه ، وعلى علمه بأحوال العباد من الكفر والايمان والطاعة والعصيان.
ثمّ أعلن سبحانه بسعة رحمته وشدّة قهره وعذابه بقوله : ﴿غافِرِ الذَّنْبِ﴾ وساتره حتى عن المذنب وإن لم يتب ﴿وَقابِلِ التَّوْبِ﴾ العذر من الذنب والعصيان ، عاف عمّا يتب منه ، وإن كان أكبر الكبائر. ثمّ أعلن بشدّة قهره وعذابه بقوله : ﴿شَدِيدِ الْعِقابِ﴾ على المشركين والعصاة.
ثمّ لمّا كانت رحمته سابقة على غضبه ، عاد إلى ذكر كرمه بقوله : ﴿ذِي الطَّوْلِ﴾ والفضل والاحسان على جميع الخلق في الدنيا وعلى المؤمنين في الآخرة ، فاذا كان ذاته المقدّسة بتلك الصفات الجليلة ، ثبت أنه ﴿لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ ولا مستحّق للعبادة في عالم الوجود إلّا ذاته ، فإذن فاعبدوه ولا تعبدوا غيره ، واعلموا أنه ﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ والمنقلب بعد خروجكم من الدنيا ، فيجازيكم على عبادتكم إياه ، يعاقبكم على عبادتكم غيره.
﴿ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ * كَذَّبَتْ
قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ
وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٤) و (٥)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان كون القرآن نازلا منه ، ذمّ الكفّار الذين جادلوا النبيّ صلىاللهعليهوآله فيه ونسبوه إلى السحر أو الشعر أو الكهانة بقوله تعالى : ﴿ما يُجادِلُ﴾ ولا ينازع ﴿فِي آياتِ اللهِ﴾ المنزلة بالطعن فيها ﴿إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بها لجاجا وعنادا ، واصرّوا على محق الحقّ وتشييد الباطل ، فاذا علمت يا محمد أنّهم كفار مطرودون عن ساحة الرحمة ومستحقّون للعذاب ﴿فَلا يَغْرُرْكَ﴾ ولا يوقفك في توهّم سلامتهم من عذابي إمهالهم و﴿تَقَلُّبُهُمْ﴾ وتصرّفهم ﴿فِي الْبِلادِ﴾ كالشام واليمن للتجارة وكسب المعاش وجمع الأموال ، فانّي وإن امهلهم ولكن سآخذهم وأنتقم منهم ، كما أخذت أمثالهم من الامم الماضية ، فانّ تكذيب الرسول ، والمجادلة في الآيات ، ليس من خصائص قومك ، بل ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ نوحا ﴿وَالْأَحْزابُ﴾ والامم الذين تحزّبوا على الرّسل وعادوهم ، تبعوا قوم نوح ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ ،﴾ في تكذيب الرسل ، بل بعد التكذيب قصدت ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ﴾ من الامم وطائفة من الطوائف ﴿بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ﴾ ويقتلوه أو يحبسوه ﴿وَجادَلُوا﴾ رسولهم وخاصموه ﴿بِالْباطِلِ﴾ وما لا أصل ولا حقيقة له ﴿لِيُدْحِضُوا﴾ ويمحوا ﴿بِهِ الْحَقَ﴾ الذي لا محيد عنه ﴿فَأَخَذْتُهُمْ﴾