في تفسير سورة غافر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿حم * تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ
شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١) و (٣)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الزّمر المبدوءة ببيان عظمة القرآن ، والأمر باخلاص الدين لله ، والحكم بخسران المكذّبين بآيات الله واستحقاقهم للعذاب ، والمختتمة ببيان أهوال القيامة ، وقضاء الله فيه بالحقّ ، وحكاية حمد الملائكة الحافّين حول العرش ، نظمت سورة المؤمن البدوءة أيضا ببيان عظمة القرآن وتهديد المكذبين بالآيات ، وبيان استحقاقهم للنار ، وحكاية تحميد الملائكة الحاملين للعرش والمحيطين به ، إلى غير ذلك من المطالب المناسبة للسورة السابقة ، فبابتدأها بذكر الأسماء المباركات بقوله تعالى :
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ ثمّ افتتحها بذكر الحروف المقطّعة بقوله : ﴿حم﴾ وقد مرّ أنّ الحرفين رمزان من اسمين من الأسماء الحسنى.
عن الصادق عليهالسلام : « معناه الحميد المجيد » (١) .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : « أنّه اسم من أسمائه تعالى » (٢) .
وقيل : إنّه اسم للسورة ، وعليه هو مبتدأ وخبره قوله : ﴿تَنْزِيلُ الْكِتابِ﴾(٣) .
وإنزال هذا القرآن ﴿مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ﴾ القادر على كلّ شيء ﴿الْعَلِيمِ﴾ بكلّ شيء فبقدرته رتّبه من الحروف المتداولة على نحو عجز العاملون عن الاتيان بمثله ، وبعلمه جعله حاويا للعلوم الكثيرة التي لا يحوي عشرها الكتب السماوية.
وقيل : إنّ العزيز بمعنى الذي لا مثل (٤) له في حسن البيان والنّظم والاسلوب ، بحيث لا يدانيه كتاب
__________________
(١) معاني الأخبار : ٢٢ / ١ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٣٤.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ١٤٩.
(٣) تفسير الرازي ٢٧ : ٢٦.
(٤) تفسير الرازي ٢٧ : ٢٦ ، تفسير روح البيان ٨ : ١٥٠.