ويذهب به بالعنف والدفع ﴿إِلى جَهَنَّمَ﴾ بأمره بعد الحساب ، والحكم عليهم باستحقاق العقاب حال كونهم ﴿زُمَراً﴾ وجماعات وأفواجا متفرّقة بعضها في أثر بعض على حسب ترتّب طبقاتهم في الكفر والشرارة ﴿حَتَّى إِذا جاؤُها﴾ بالاكراه (١) والاضطرار و﴿فُتِحَتْ﴾ بأمر مالك خازن جهنّم ﴿أَبْوابُها﴾ السبعة ليدخلوها.
قيل : فائدة إغلاقها إلى وقت مجيئهم تهويل شأنها ، كما هي حال المسجون ، وإيقاد حرّها (٢) .
﴿وَقالَ لَهُمْ ،﴾ تقريعا وتوبيخا الملائكة الذين هم ﴿خَزَنَتُها﴾ وحفّاظها : ﴿أَ لَمْ يَأْتِكُمْ﴾ أيّها الكفرة في الدنيا ﴿رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ وأنبياء من جنسكم ، ليسهل عليكم مراجعتهم وفهم كلامهم ، وهم ﴿يَتْلُونَ﴾ ويقرأون ﴿عَلَيْكُمْ﴾ ويؤدّون إليكم ﴿آياتِ رَبِّكُمْ﴾ التي أنزلت لهدايتكم ﴿وَيُنْذِرُونَكُمْ﴾ ويخوّفونكم ﴿لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا﴾ وشدائده وأهواله ؟
﴿قالُوا﴾ للخزنة : ﴿بَلى﴾ قد أتونا ، وتلوا علينا ، وأنذرونا ﴿وَلكِنْ﴾ ما اعتنينا بهم ، ولذا ﴿حَقَّتْ﴾ ووجبت ﴿كَلِمَةُ الْعَذابِ﴾ ووعده من الله ﴿عَلَى الْكافِرِينَ﴾ الذين نحن منهم.
فلمّا اعترفوا باستحقاقهم للعذاب ﴿قِيلَ﴾ لهم : ﴿ادْخُلُوا﴾ قهرا وقسرا ﴿أَبْوابَ جَهَنَّمَ﴾ حال كونكم ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ ملازمين لعذابها ، بحيث لا تنفكّون منه أبدا ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ وساء مأوى المستنكفين عن الايمان وطاعة الرسول صلىاللهعليهوآله تعظّما ، هذا المنزل والمأوى ، وفيه دلالة على أنّه مع وفور آيات الحقّ وتمامية الحجّة ، لم يكن لهم مانع عن الايمان به إلّا التكبّر على الرسل ، والتعظّم عن تبعيّتهم. قيل : إنّه إيهام القائل لتهويل المقول (٣) .
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها
وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ * وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ
الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ
الْعامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٤) و (٧٥)﴾
ثمّ ذكر سبحانه حسن حال المتقين بقوله تعالى : ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ واحترزوا من الاشراك به ، ويذهب بهم الملائكة باسراع وإعزاز وإكرام بلا تعب ولا نصب ليوصلونهم ﴿إِلَى الْجَنَّةِ﴾ ودار
__________________
(١) في النسخة : بلا إكراه.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ١٤٢.
(٣) تفسير روح البيان ٨ : ١٤٢.