إلى أن قال : « فينفخ الجبار نفخة اخرى في الصّور ، فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماوات ، فلا يبقى في السماوات أحد إلّا حي وقام كما كان ، ويعود حملة العرش ، وتحضر الجنة والنار ، ويحشر الخلائق للحساب »(١).
قال الغزالي : اختلف الناس في أمد المدة الكائنة بين النفختين ، فاستقرّ جمهورهم على أنّها أربعون سنة. قال : وحدثني من لا أشكّ في علمه : أنّ أمد ذلك لا يعلمه إلّا الله ، لأنّه من أسرار الربوبية ، فاذا أراد الله إحياء الخلق يفتح خزانة من خزائن العرش ، فيها بحر الحياة ، فيمطر به الأرض - فاذا هو كمنيّ الرجال - بعد أن كانت عطشى ، فتحيى وتهتزّ ، ولا يزال المطر عليها حتى يعمّها ، ويكون الماء فوقها أربعين ذراعا ، فإذا الأجسام تنبت من عجب الذّنب (٢) ، وهو أول ما يخلق من الانسان ، بدأ منه ومنه يعود ، وهو عظم على قدر الحمّصة ، وليس له مخّ ، فاذا نبت كما ينبت البقل ، تشتبك بعضها في بعض ، فإذا رأس هذا في منكب هذا ، ويد هذا في جنب هذا ، أو فخذ هذا على حجر هذا لكثرة البشر ، الصبىّ صبيّ ، والكهل كهل ، والشيخ شيخ ، والشاب شابّ ، ثمّ تهبّ ريح من تحت العرش فيها نار ، فتنسف ذلك عن الأرض ، وتبقى الأرض بارزة مستوية ، كأنّها صحيفة واحدة ، ثمّ يحيي الله إسرافيل ، فينفخ في الصّور من صخرة بيت المقدس ، فتخرج الأرواح لها دويّ كدويّ النحل ، فتملأ الخافقين ، ثمّ تذهب كلّ نفس إلى جثّتها بإعلام الله تعالى حتى الوحش والطير وكلّ ذي روح ، فاذا الكلّ قيام ينظرون (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام : « إذا اراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض أربعين صباحا ، فتجمع الاوصال ، وتنبت اللحوم »(٤) .
﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ﴾ وأضاءت ﴿بِنُورِ رَبِّها﴾ والذي خلقه لإضاءة العرصة.
وقيل : إنّ المراد بالنور عدل ربّهم ، وإنّما استعير له النور لأنّه يزيّن البقاع ، ويظهر الحقوق ، كما يسمّى الظّلم ظلمة (٥) .
وفي الحديث : « الظّلم ظلمات يوم القيامة » (٦) .
وقيل : إنّ هذا من المكتوم الذي لا يفسّر (٧) .
عن الصادق عليهالسلام قال : « ربّ الأرض إمام الأرض » . قيل : إذا خرج يكون ما ذا ؟ قال : « إذا يستغني الناس عن ضوء الشمس والقمر ، ويجتزون بنور الإمام » (٨) .
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٢٥٢ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٣٠.
(٢) أي أصله عند رأس العصعص.
(٣) تفسير روح البيان ٨ : ١٣٩.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٢٥٣ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٣٠.
(٥) تفسير روح البيان ٨ : ١٤٠.
(٦) تفسير الرازي ٢٧ : ١٩ ، تفسير أبي السعود ٧ : ٢٦٣.
(٧) تفسير روح البيان ٨ : ١٤٠.
(٨) تفسير القمي ٢ : ٢٥٣ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٣١.