هو أنّه والله و﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ﴾ بي على فرض المحال ﴿لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ وليبطلنّ سعيك ، وإن كنت أحبّ الخلق إليّ ، وأكرمهم عليّ ﴿وَ﴾ الله ﴿لَتَكُونَنَ﴾ البتّة ﴿مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ في صفقتك ، وفيه إيذان بغاية شناعة الشرك وقبحه ، وكونه عبث ينهى عنه من يستحيل منه فضلا عن غيره.
وقيل : إنّ المخاطب هو النبيّ صلىاللهعليهوآله والمراد امّته (١) .
وعن ابن عباس : هذا أدب لنبيه صلىاللهعليهوآله وتهديده لغيره ، لأنّ الله عصمة من الشرك ومداهنة الكفّار(٢) .
وعن الباقر عليهالسلام ، أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « تفسيرها لئن أمرت بولاية أحد مع لاية عليّ عليهالسلام من بعدك ليحبطنّ عملك ، ولتكوننّ من الخاسرين » (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام : « يعني إن اشرك (٤) في الولاية غيره » الخبر (٥) .
أقول : هذه الروايات تأويل للآية.
﴿بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ * وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا
يُشْرِكُونَ (٦٧)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تأكيد التوحيد بقوله : ﴿بَلِ اللهَ﴾ وحده ﴿فَاعْبُدْ﴾ وقيل : إنّ التقدير لا تعبد ما آمرك المشركون بعبادته ، بل إن عبدت شيئا فاعبد الله (٦)﴿وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ لنعمة هدايتك إلى توحيده ومعرفته وعبادته بتقوية عقلك ونصب الأدلّة القاطعة والوحي إليك.
عن الصادق عليهالسلام : « أنّ الله بعث نبيهصلىاللهعليهوآلهبأياك أعني واسمعي يا جارة ، والدليل على ذلك قوله تعالى : ﴿بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ يعني بل الله فاعبد بالطاعة ، وكن من الشاكرين أن عضدتك بأخيك وابن عمّك » (٧) .
ثمّ إنّه تعالى بعد أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بتوصيف المشركين له بالشرك والجهل ، فسّر جهلهم بقوله : ﴿وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ﴾ ما عرفوه حقّ معرفته ، واعظموه بما يليق بعظمته ، حيث جعلوا له من مخلوقاته شركاء ، وساووه مع الجمادات التي لا شعور لها ولا قدرة على شيء ، والحال أنّه ﴿الْأَرْضُ﴾ بطبقاتها الظاهرة والباطنة ، وأجزائها الكبيرة والصغيرة ﴿جَمِيعاً﴾ وكّلا ﴿قَبْضَتُهُ﴾ وفي
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٢٥١ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٢٨.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ١٣٣.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٢٥١ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٢٨.
(٤) في الكافي : أشركت.
(٥) الكافي ١ : ٣٥٣ / ٧٦ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٢٨.
(٦) تفسير روح البيان ٨ : ١٣٣.
(٧) تفسير القمي ٢ : ٢٥١ ، إلى نهاية الآية ، تفسير الصافي ٤ : ٣٢٨.