روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه سئل عن تفسير مقاليد السماوات والأرض ، فقال : « تفسيرها لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم ، هو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، بيده الخير ، يحيي ويميت ، وهو على كلّ شيء قدير » (١) .
أقول : على هذه الرواية يكون معنى الآية له هذه الكلمات ، وهي مفاتيح جميع الخيرات ، فمن قالها أصاب خير الدنيا والآخرة.
ثمّ لمّا بيّن سبحانه ربح المؤمن في سوق تجارة الدنيا ، ذكر خسران الكفار بقوله : ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ﴾ التنزيلية والتكوينية الآفاقية والأنفسية الدالة على توحيد الله في ذاته وصفاته الجلالية والجمالية ﴿أُولئِكَ﴾ البعيدون عن ساحة رحمة الله ﴿هُمُ الْخاسِرُونَ﴾ خسرانا لا خسارة ورائه ، لأنّهم سدّوا على أنفسهم أبواب رحمته ولطفه ، وفتحوا عليها أبواب سخطه وعذابه.
﴿قُلْ أَ فَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤) و (٦٥)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان أنّ ذاته المقدسة خالق كلّ شيء ، ومدبّر امور عالم الوجود ، ومعطي الخيرات ومانعها ، أمر نبيّه وحبيبه صلىاللهعليهوآله بالانكار على من توقّع منه عبادة غيره ، وإظهار التعجّب من طمعهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد ، في جواب من يتوقع منك الايمان بالأصنام ، ويسأل منك الإقدام بعبادتها : ﴿أَ فَغَيْرَ اللهِ﴾ قيل : إنّ التقدير أبعد مشاهدة آيات قدرة الله (٢) وحكمته ووحدانيته ، ومعرفتي إياه بجميع الصفات الكمالية ، فغير الله من المخلوقات التي أنا أفضل وأكمل من جميعها ﴿تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ﴾ وتسألوني أن أقول بألوهيتها ، وتقولون أن أستلمها.
قيل : كانوا يقولون : يا محمد ، استلم بعض آلهتنا نؤمن بإلهك (٣) . ﴿أَيُّهَا الْجاهِلُونَ﴾ بحكم العقل والعقلاء ، فانّ من الواضح أنّ العقل حاكم بقبح عبادة الجماد الذي لا يضرّ ولا ينفع ، وترك عبادة الخالق الذي بيده كلّ خير وشرّ ونفع وضرّ.
ثمّ إنّه تعالى بعد أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بتوبيخ المشركين على طمعهم في إشراكه وإظهار أنه عين الجهل والحمق ، بالغ سبحانه في قطع طمعهم فيه ، بتهديد حبيبه عليه بقوله : ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ ،﴾ يا محمد ، من قبلنا ﴿وَإِلَى﴾ الأنبياء ﴿الَّذِينَ﴾ جاءوا ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾ وكان ما اوحي إليك وإلى كلّ واحد منهم،
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٧ : ١١ ، تفسير البيضاوي ٢ : ٣٣٠ ، تفسير أبي السعود ٧ : ٢٦١ ، تفسير روح البيان ٨ : ١٣٢.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ١٣٢.
(٣) تفسير الرازي ٢٧ : ١٢ ، تفسير أبي السعود ٧ : ٢٦٢.