والمستهزئين بدينه وبرسوله وكتابه ، ولم اكتف بترك طاعتهما ﴿أَوْ تَقُولَ﴾ نفس : ﴿لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي﴾ وأرشدني إلى الحقّ ﴿لَكُنْتُ﴾ في الدنيا ﴿مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ عن الشّرك والمعاصي.
روي أنّه ما من أحد من أهل النار يدخل النار حتى يرى مقعده من الجنة فيقول : لو أنّ الله هداني لكنت من المتّقين ، فيكون عليه حسرة (١) .
﴿أَوْ تَقُولَ﴾ نفس تمنّيا ﴿حِينَ تَرَى الْعَذابَ﴾ عيانا ومشاهدة : ﴿لَوْ أَنَّ لِي﴾ الآن ﴿كَرَّةً﴾ ورجوعا إلى الدنيا ﴿فَأَكُونَ﴾ فيها ﴿مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الصالحين في العقيدة والعمل. قيل : إنّ كلمة ( أو ) الدالة على الترديد ، لها دلالة على أنّ كل نفس من الكفّار لا تخلو عن هذه الأقوال تحيّرا وتعللا ما لا طائل تحته ، أو ندما حين لا ينفع (٢) .
وقيل : إنّها تتحسّر بالتفريط عند تطاير الكتب ، ثمّ تتعلّل بفقد الهداية عند مشاهدة المتّقين واغتباطهم ، بتمنّي الرجعة عند الاطّلاع على النار ورؤية العذاب (٣). وقيل : إنّ كلّ قول يكون لقوم(٤).
ثمّ لمّا كان في القول الثاني إنكار الهداية من الله ونفيها ، ردّها الله تعالى بقوله ﴿بَلى﴾ قد هديتك ، فانّه ﴿قَدْ جاءَتْكَ آياتِي﴾ التي أنزلتها لهداية الناس مع دلائل الصدق بتوسّط رسولي ﴿فَكَذَّبْتَ بِها﴾ وأنكرت أنّها كلامي عنادا ولجاجا ﴿وَاسْتَكْبَرْتَ﴾ من قبولها واتّباعها ، وتعظّمت عن الايمان بها ﴿وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ﴾ لنعمي ، والمضيّعين لحقوقي عليك من إرسال الرسول إنزال الكتاب بعد إعطائك العقل والحواسّ وسائر القوى.
﴿وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ
مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا
هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٠) و (٦١)﴾
ثمّ لمّا حكى سبحانه كذب المشركين على الله بقولهم : إنّ الله ما هدانا ، هدّد الكاذبين على الله بقوله : ﴿وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى﴾ يا محمد ، أو يأمن من شأنه الرؤية الكفّار ﴿الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ﴾ ونسبوا إليه ما لا يليق به من أخذه الشريك ، أو أختياره الصاحبة والولد ، أو تركه هداية الناس ونحوها ﴿وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ ومظلمة لسواد قلوبهم وظلمتها بسبب الكفر والجهل.
ويحتمل أن يكون المراد بسواد الوجه الفضيحة بين الناس والذلّة ، كما يقال : الفقر سواد الوجه.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ١٢٩.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ١٢٩.
(٣) تفسير روح البيان ٨ : ١٣٠.
(٤) تفسير روح البيان ٨ : ١٢٩.