والله ما أراد بهذا غيركم »(١) .
وعنه عليهالسلام : « ما على ملّة إبراهيم غيركم ، وما يقبل إلّا منكم ، ولا يغفر الذنوب إلّا لكم »(٢).
أقول : المراد من النزول في شيعة على نزولها في حقّ غير المرتدّين بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله وهم شيعة علي وولده ، إذ هم الذين لم ينكروا النصّ الجليّ في عليّ عليهالسلام.
إن قيل : الآية موجبة لعدم خوف المؤمنين من الله وعقابه ، مع أنّه ثبت أنّه يجب على المؤمن أن يكون خائفا راجيا ، لوضوح أن الأمن من مكر الله وعقابه من المعاصي الكبيرة ، كاليأس من رحمة الله.
قلنا : لا شبهة أن كثرة المعاصي قد تؤذي إلى الكفر وذهاب الايمان ، فالمؤمن لا يعلم أنّه يموت على الايمان ، فيخاف من زوال إيمانه ولو حين الموت ، مع أنّ الوعد بالمغفرة إنّما هو في القيامة ، والمؤمن يخاف من عقوبة الله في البرزخ ، كما ورد « أنّ أخوف ما أخاف عليكم البرزخ » مع أنّه يحتمل تقييدها ، لأنّه بالتوبة المقبولة ، ومع التوبة لا يعلم قبولها ، كما قيل : إنّ ابن مسعود قرأ : ( إنّ الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء ) (٣) .
وروي ذلك عن ابن عباس (٤) أيضا.
فليس في الآية إغراء إلى المعصية كما توهّم ، بل يجب على المؤمن الإنابة والتوبة إلى الله بقوله تعالى : ﴿وَأَنِيبُوا﴾ أيّها الناس وارجعوا ﴿إِلى رَبِّكُمْ﴾
بالتوبة عن المعاصي ﴿وَأَسْلِمُوا﴾ واخلصوا ﴿لَهُ﴾ تعالى أعمالكم من شوب الشرك والهوى ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ﴾ في الدنيا والآخرة ﴿ثُمَ﴾ بعد نزوله ﴿لا تُنْصَرُونَ﴾ ولا تمنعون منه من قبل أحد ﴿وَاتَّبِعُوا﴾ أيّها المؤمنون ﴿أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ وهو القرآن ، وعملوا بما فيه.
وقيل : يعني ما هو أنجى وأسلم كالإنابة والمواظبة على الطاعة ، أو المعنى الزموا طاعته واجتنبوا معصيته (٥)﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ﴾ الدنيوي ، أو الاخروي بإتيان الموت ﴿بَغْتَةً﴾ وغفلة ﴿وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ لوقت مجيئه حتى تتداركوا وتتأهّبوا له ، وإنّما امرتكم بما ذكرت كراهة ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ﴾ حين نزول العذاب تحسّرا واستغاثة بها على ما هو دأب المتحسرين : ﴿يا حَسْرَتى﴾ ويا أسفاه ﴿عَلى ما فَرَّطْتُ﴾ وقصّرت ﴿فِي جَنْبِ اللهِ﴾ وناحيته على تجاوزي عن الحدّ في عدم رعاية حقوقه ، وعدم سلوك طريقه ﴿وَإِنْ كُنْتُ﴾ في الدنيا وقد عددت فيها ﴿لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾
__________________
(١) الكافي ٨ : ٣٥ / ٥ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٢٥.
(٢) المحاسن : ١٤٧ / ٥٦ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٢٥.
(٣) تفسير الرازي ٢٧ : ٥ ، تفسير روح البيان ٨ : ١٢٦.
(٤) مجمع البيان ٨ : ٧٨٥ ، عن عبد الله.
(٥) تفسير روح البيان ٨ : ١٢٨.