معتنين بها.
ثمّ إنّه تعالى بعد توعيد المشركين والكفّار الظالمين على أنفسهم بالكفر والشرك والعصيان ، وتهديدهم بالعذاب الشديد ، أعلن سبحانه بسعة رحمته بالنسبة إلى عباده المؤمنين بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا نبي الرحمة للمؤمنين من قبلي ﴿يا عِبادِيَ﴾ المؤمنين ﴿الَّذِينَ أَسْرَفُوا﴾ وأفرطوا في الخيانة ﴿عَلى أَنْفُسِهِمْ﴾ بتجاوز الحدّ في العصيان ﴿لا تَقْنَطُوا﴾ ولا تيأسوا ﴿مِنْ رَحْمَةِ اللهِ﴾ وتفضلّه عليكم بالعفو والمغفرة.
ثمّ كأنّه قيل : لم لا يقنطون مع كثرة المعاصي ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ﴾ بكرمه وتفضّله ﴿يَغْفِرُ الذُّنُوبَ﴾ للمؤمنين ﴿جَمِيعاً﴾ ولو كانت بعدد النجوم والرمال وأوراق الأشجار.
ثمّ أكّد سبحانه وعده بقوله : ﴿إِنَّهُ﴾ بالخصوص ﴿هُوَ الْغَفُورُ﴾ للذنوب وستّارها ﴿الرَّحِيمُ﴾ بالمؤمنين بعد الغفران بإعطاء الثواب.
قيل : إنّ الآية نزلت في قوم خافوا إن أسلموا لا يغفر لهم ما ارتكبوا من الذنوب العظام ، كقتل النفس والزنا ومعاداة النبي صلىاللهعليهوآله والقتال معه ، فأنزل الله هذه الآية (١) ، ففرح النبي صلىاللهعليهوآله بها ، ورآها أصحابه أنها أوسع الآيات في مغفرة الذنوب.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، أنه قال : « ما في القرآن آية أوسع من ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا﴾ » (٢).
وروي أنّ وحشيا قاتل حمزة كتب إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله يسأله هل له من التوبة ؟ وكتب أنّه سمع فيما أنزل الله بمكّة من القرآن آيتين أنستاه من كلّ خير وهما قوله : ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ﴾ إلى قوله : ﴿مُهاناً﴾(٣) فنزلت : ﴿إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً﴾(٤) فكتب بها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فخاف وحشي وقال : لعليّ لا أبقى حتى أعمل صالحا ، فأنزل الله ﴿لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ﴾(٥) . فقال وحشي : إني أخاف أن لا أكون في مشيئة الله ، فأنزل الله : ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ﴾ إلى آخره فأقبل وحشي وأسلم (٦) .
القمي ، قال : نزلت في شيعة علي بن أبي طالب عليهالسلام خاصة (٧) .
وعن الباقر عليهالسلام : « وفي شيعة ولد فاطمة أنزل الله هذه الآية خاصة » (٨) .
وعن الصادق عليهالسلام ، قال : « لقد ذكركم الله في كتابه إذ يقول : ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا﴾ الآية ، قال :
__________________
(١) أسباب النزول للواحدي : ٢٠٨.
(٢) مجمع البيان ٨ : ٧٨٤ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٢٦.
(٣) الفرقان : ٢٥ / ٦٨ و٦٩.
(٤) الفرقان : ٢٥ / ٧٠.
(٥) النساء : ٤ / ١١٦.
(٦) اسباب النزول للواحدي : ١٩٠.
(٧) تفسير القمي ٢ : ٢٥٠ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٢٥.
(٨) تفسير القمي ٢ : ٢٥٠ ، معاني الأخبار : ١٠٧ / ٤ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٢٥.