باختيار الشرك والغرور ﴿مِنْ هؤُلاءِ﴾ القوم الذين جاوروك في مكة ، أو في زمانك ، وعاندوك في الحقّ ﴿سَيُصِيبُهُمْ﴾ وعن قريب يصل إليهم ﴿سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا﴾ وعقوبات ما عملوا من الكفر والمعاصي في الدنيا والآخرة ﴿وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ الله القادر على كلّ شيء من تعذيبهم بالهرب والقوة والشوكة.
قيل : قد أصابهم في الدنيا حيث قحطوا سبع سنين ، وقتل أكابرهم في بدر (١) وسائر الغزوات.
﴿أَ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ * قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ
إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ
وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما
أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ
تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ
* أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ
لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها
وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (٥٢) و (٥٩)﴾
ثمّ عاد سبحانه إلى جواب قولهم : ﴿إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ﴾ بقوله : ﴿أَ وَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ اولئك الحمقاء. قيل : إنّ التقدير أيقولون ذلك ولم يعلموا (٢) بالتفكّر في أنّ الغنى والفقر كثيرا يكونان على خلاف العادة ، ويتبدّلان في شخص واحد بغير اختياره ﴿أَنَّ اللهَ﴾ بقدرته وحكمته ﴿يَبْسُطُ﴾ ويوسّع ﴿الرِّزْقَ﴾ والنّعمة ﴿لِمَنْ يَشاءُ﴾ أن يوسّعه عليه لصلاح في نظره من امتحان وجزاء عمل أو لغيرهما ، لا لرفعة قدره عنده ﴿وَيَقْدِرُ﴾ ويضيق على من يشاء أن يقدر ويضيّق عليه ، لعلمه بصلاح في حقّه ، أو لنظام العالم ، لا لضعة قدره ، ولا باختياره ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من البسط تارة والقبض اخرى ، وفي مورد دون مورد ﴿لَآياتٍ﴾ ودلالات على بسط الرزق وقبضة ، بل كلّ الحوادث في العالم ، بيد الله وإرادته وحده ، لا بتدبير أحد ، ولكن إنّما يكون نفع تلك الآيات والتفكّر فيها ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ بالله ، إذ هم المتفكّرون والمتدبّرون فيها ، والمنتفعون بها ، وأمّا غيرهم غافلون عنها غير
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٧ : ٢٥٩ ، تفسير روح البيان ٨ : ١٢٢.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ١٢٢.