روي أنّ الله تعالى باشر قبض النفوس الطيبة الزكية كروح الحسين بن علي عليهالسلام (١).
والصدّيقة الطاهرة ، روى بعض العامة أنّ فاطمة الزهراء رضى الله عنه لمّا نزل عليها ملك الموت لم ترض بقبض روحها ، فقبض الله تعالى روحها (٢).
﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من التوفّي على الوجهين ، والامساك في أحدهما ، والإرسال في الآخر ﴿لَآياتٍ﴾ عجيبة ودلالات واضحة على كمال قدرة الله وحكمته ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في آثار قدرة الله التي منها كيفية الموت والنوم ، فيعلمون أنّ العاقل لا يعبد الجماد الذي لا قدرة له ولا إدراك ، بل يعبد الإله الذي له القدرة الكاملة والحكمة البالغة.
﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَ وَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ
لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٣) و (٤٤)﴾
ثمّ لمّا كان قول مشركي مكّة : إنّا لا نعبدهم لكونهم آلهة ، بل نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ، ويشفعوا لنا عند الله ، أنكر سبحانه عليهم القول بقوله : ﴿أَمِ اتَّخَذُوا﴾ قيل : كلمة ( أم ) منقطعة ، والمعنى : بل اتّخذوا واختاروا لأنفسهم (٣)﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ وممّا سواه ﴿شُفَعاءَ﴾ يشفعون لهم عند الله.
ثمّ أمر سبحانه بتوبيخهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد ، لهؤلاء السّفهاء أيشفعونكم ﴿أَ وَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً﴾ من الأشياء ، ولا يقدرون على دفع شيء عن أنفسهم ، فضلا عن شفاعتكم عند الله ، ودفع عذابه عنكم ﴿وَلا يَعْقِلُونَ﴾ ولا يدركون شيئا حتّى نفع أنفسهم ، فضلا عن عبادتكم التي لا نفع (٤) لهم فيها ﴿قُلْ﴾ يا محمّد إرشادا لهم ﴿لِلَّهِ﴾ وحده ﴿الشَّفاعَةُ﴾ الصادرة عن كلّ شافع ﴿جَمِيعاً﴾ لا يستطيع أحد أن يشفع عنده إلّا بإذنه ، كما قال : ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾(٥) لأنّ ﴿لَهُ﴾ تعالى وحده ﴿مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وما بينهما والسّلطنة فيها ، فلا يتنفّس متنفّس ولا يتحرّك متحرّك ولا يتكلّم متكلّم إلّا بإذنه وإرادته ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ﴾ بعد الموت ﴿تُرْجَعُونَ﴾ وإلى محضر عدله تردّون ، فيحاسب أعمالكم ويجازيكم على حسب استحقاقكم ، فاحذروا سخطه ، واحترزوا عذابه.
﴿وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ
مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ١١٤.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ١١٤.
(٣) تفسير روح البيان ٨ : ١١٧.
(٤) في النسخة : يقع.
(٥) البقرة : ٢ / ٢٥٥.