﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى
عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ (٤٢)﴾
ثمّ لمّا كانت الهداية هي الحياة الحقيقية ، والضلال الدائم هو الموت والمؤقّت بمنزلة النوم ، عاد سبحانه بعد ترويح قلب نبيّه صلىاللهعليهوآله إلى الاستدلال على توحيده بكون النوم واليقظة والموت بيده ، كما أنّ الهداية والضلال بإرادته بقوله :
﴿اللهُ﴾ وحده ﴿يَتَوَفَّى﴾ بقدرته ﴿الْأَنْفُسَ﴾ ويميت الأشخاص ﴿حِينَ﴾ وصول وقت ﴿مَوْتِها وَ﴾ انقضاء أجل حياتها ، ويتوفّى ﴿الَّتِي لَمْ تَمُتْ﴾ ويقبض روحها ﴿فِي﴾ وقت ﴿مَنامِها﴾ لا كاملا ، بل بحيث يبقى فيها شعاعها.
وقيل : إنّ المراد بالأنفس الأرواح ، والمعنى يقبض الأرواح كاملا من أبدانها حين موت أبدانها ، ويقبض الأرواح التي لم تمت أبدانها في وقت نوم الأبدان (١) . وإنّما أطلق التوفّي على الإنامة لشباهتها في عدم العقل والتمييز بالإماتة ، كما ورد أنّ النوم أخ الموت.
بيان كيفية النوم
وروي عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « أنّ الروح يخرج عند النوم ، ويبقى شعاعه في الجسد ، فلذلك ترى الرؤيا » (٢)﴿فَيُمْسِكُ﴾ الله الأنفس ﴿الَّتِي قَضى﴾ وحكم ﴿عَلَيْهَا الْمَوْتَ﴾ ويمنعها من الرجوع إلى أبدانها ﴿وَيُرْسِلُ﴾ الأنفس ﴿الْأُخْرى﴾ التي لم يقض عليها الموت عند الانتباه واليقظة مرة بعد مرة ﴿إِلى﴾ انقضاء ﴿أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ ومدّة حياتها المقدّرة.
عن سعيد بن جبير : أنّ أرواح الأحياء وأرواح الأموات تلتقي في المنام ، فيتعارف منها ما شاء الله أن يتعارف ، فيمسك التي قضى عليها الموت ، ويرسل الاخرى إلى أجسادها إلى انقضاء مدّة حياتها (٣).
عن الباقر عليهالسلام قال : « ما من أحد ينام إلّا عرجت نفسه إلى السماء ، وبقيت روحه في بدنه ، وصار بينهما سبب كشعاع الشمس ، فان أذن الله في قبض الأرواح أجابت الروح النفس ، وان أذن الله في ردّ الرّوح أجابت النفس الروح ، وهو قول الله : ﴿يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها﴾ الآية » (٤) .
أقول : الظاهر أنّ المراد بالنفس في الرواية الرّوح الانساني ، وبالرّوح الرّوح الحيوانى. وإسناد التوفّي إلى الله لأنّه الآمر ، فلا ينافي إسناده إلى ملك الموت وأعوانه من الملائكة بالمباشرة. نعم.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ١١٢ و١١٥.
(٢) تفسير روح البيان ٨ : ١١٥.
(٣) تفسير روح البيان ٨ : ١١٥.
(٤) مجمع البيان ٨ : ٧٨١ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٢٣.