ابالي ، لأنّ ﴿حَسْبِيَ اللهُ﴾ وهو كاف في جميع اموري ، وناصري على أعدائي ، وحافظي من كلّ شرّ وضرّ ﴿عَلَيْهِ﴾ وحده ﴿يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ لعلمهم بأنّ ما سواه تحت قدرته وملكوته ونفوذه وإرادته.
﴿قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ
يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ * إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ
اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٣٩) و (٤١)﴾
ثمّ أمره بالابلاغ في إظهار توكّله على الله وعدم مبالاته بالمشركين بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، مخاطبا لقريش : ﴿يا قَوْمِ اعْمَلُوا﴾ واسعوا في الاضرار عليّ ، وإبطال أمري ، والإخلال في رسالتي ، واجتهدوا في مكركم وكيدكم ، مع أنّكم ﴿عَلى﴾ ما تعتقدون من ﴿مَكانَتِكُمْ﴾ وحالتكم من القوة والشوكة والعداوة ﴿إِنِّي﴾ أيضا ﴿عامِلٌ﴾ وساع في التبليغ والإنذار ، وإعلاء كلمة التوحيد ، وتقرير دين الاسلام ما استطعت ، ما أنا عليه من مكانتي وحالتي من قلّة الناصر وعدم المال ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ من ينصره الله ويغلبه و﴿مَنْ يَأْتِيهِ﴾ من قبله تعالى ﴿عَذابٌ﴾ يستأصله ﴿يُخْزِيهِ وَ﴾ يذلّه في الدنيا ، ومن ﴿يَحِلُ﴾ وينزل ﴿عَلَيْهِ﴾ في الآخرة ﴿عَذابٌ مُقِيمٌ﴾ ودائم لا يفارقه ، لسعيه فيما يوجب غضب الله عليه من الكفر والضلال.
ثمّ لمّا بالغ سبحانه في إتمام الحجّة على المشركين المعاندين ، وبيان بطلان مذهبهم بالأدلة الواضحة القاهرة ، وضرب المثل ، وتهديدهم بالعذاب الدنيوي والاخروي ، ردع نبيّه صلىاللهعليهوآله عن الجدّ والاهتمام في دعوتهم إلى التوحيد والايمان بصدق كتابه بقوله : ﴿إِنَّا﴾ بلطفنا وحكمتنا ومقام ربوبيتنا ﴿أَنْزَلْنا﴾ بتوسّط جبرئيل ﴿عَلَيْكَ﴾ يا نبي الرحمة ﴿الْكِتابَ﴾ العظيم الشأن الذي فيه المعارف والحكم والأحكام ، إرشادا ﴿لِلنَّاسِ﴾ إلى مصالحهم ومنافعهم الدنيوية والاخروية ، وإتماما للحجّة حال كونه مقرونا ﴿بِالْحَقِ﴾ ودلائل الصدق ، أو حال كوننا محقّين في إنزاله ﴿فَمَنِ اهْتَدى﴾ به إلى ما فيه ﴿فَلِنَفْسِهِ﴾ فوائد هدايته وعمله ﴿وَمَنْ ضَلَ﴾ عن سبيل الحقّ ، بأن كذّبه ولم يعمل به ﴿فَإِنَّما يَضِلُ﴾ وكان وبال ضلاله على نفسه ، وضرره ﴿عَلَيْها﴾ لا علينا ولا عليك ﴿وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ﴾ من قبل ربّك ﴿بِوَكِيلٍ﴾ وقيّم حتّى تجبرهم على الايمان به واتباع أحكامه ، بل إنّما عليك البلاغ ، وقد بلّغت ، فلا تتعب نفسك في معارضتهم وحثّهم على الإيمان ، واسترح من كلفة تحملهم على قبول الحقّ وتصديق كتابك.