يعبدونهم ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ من الأصنام والأوثان الذين لا يقدرون على شيء لغاية جهلهم وضلالهم ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ﴾ ويحرفه عن طريق الحقّ ، كهؤلاء المشركين ﴿فَما لَهُ﴾ في العالم ﴿مِنْ هادٍ﴾ يهديه ويوصله إلى الحقّ ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللهُ﴾ ويوفّقه للسلوك على الصراط المستقيم ﴿فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ﴾ يصرفه عن السلوك فيه بالحجّة والبرهان والتخويف والتطميع.
ثمّ هدّد سبحانه المشركين المخوّفين بقوله : ﴿أَ لَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ﴾ وغالب على كلّ شيء و﴿ذِي انْتِقامٍ﴾ من أعدائه لأوليائه ؟ بلى والله هو الغالب القادر المنتقم ، ينتقم من هؤلاء المشركين أشدّ الانتقام.
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ
مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ
هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أنّ المشركين مع اعترافهم بأنّ الله هو القادر الذي خلق بقدرته جميع الموجودات ، كيف يدّعون أنّ الجمادات التي لا قدرة لها ولا حسّ ولا شعور يضرّون عباد الله ؟ ! مع أنّ الله عزوجل حافظهم بقوله : ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ﴾ وقلت لهم أيّها العقلاء ﴿مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ وما بينهما ؟ ﴿لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ وليعترفون بأنّ لا خالق غيره ، فاذا اعترفوا بذلك ﴿قُلْ﴾ لهم : ﴿أَ فَرَأَيْتُمْ﴾ وأخبروني أنّ ﴿ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ وتعبدونه من الأصنام والأوثان ، على فرض كونهم قادرين ، هل يمكنهم أن يعارضوا الله في إرادته مثلا ﴿إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ﴾ ومكروه كالمرض والفقر والذّلّ ونظائرها ﴿هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ﴾ ومزيلات سوء الحال الذي أراده ﴿أَوْ﴾ إن ﴿أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ﴾ ونعمة كالصحة والغنى والأمن والراحة وأمثالها ﴿هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ﴾ ومانعات عن وصول نعمه إليّ ؟ ! لا والله لا هنّ كاشفات الضرّ ، ولا ممسكات الرحمة ، بل هنّ أعجز من كل شيء ، وأضعف من كلّ ضعيف.
روي أن النبي صلىاللهعليهوآله لمّا سألهم سكتوا ولم يجيبوه بشيء فنزل (١) . وإنّما أتى سبحانه بالجموع والضمائر المؤنثة للاشارة إلى ضعف أصنامهم ، أو لأنّهم سمّوا أصنامهم باسم الأناث كاللات والعزّى ومناة.
ثمّ أمر نبيّه بإظهار الاعتماد على ربّه بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهم : إن تظاهر عليّ أهل العالم ، فانّي لا
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ : ٣٢٦ ، تفسير أبي السعود ٧ : ٢٥٦.