كلّ كلام يملّ تكراره (١).
ولظهور عظمة الله فيه ، وغضبه على أعدائه وعصاته ﴿تَقْشَعِرُّ﴾ وترتعد ﴿مِنْهُ جُلُودُ﴾ المؤمنين ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ وأبدان الذين عرفوا خالقهم بالعظمة والقهارية. قيل : هو مثل لشدة الخوف (٢)﴿ثُمَ﴾ إذا تلوا ، أو استمعوا آيات الوعد والرحمة ﴿تَلِينُ جُلُودُهُمْ﴾ ولتسكن أبدانهم ، وزال عنها ما كان بها من الخوف والارتعاد ، وتبدلت خشيتهم بالرجاء ، ورهبتهم بالرغبة ﴿وَقُلُوبُهُمْ﴾ تطمئن ﴿إِلى ذِكْرِ اللهِ﴾ ورحمته وغفرانه ، فلذا ﴿ذلِكَ﴾ الكتاب الذي بيّنا أوصافه ﴿هُدَى اللهِ﴾ وما به رشاد الخلق إلى الحقّ ﴿يَهْدِي﴾ الله ويرشد ﴿بِهِ﴾ إلى جميع الخيرات الدنيوية والاخروية ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ هدايته وإرشاده من النفوس الزكية ، والقلوب الطاهرة ، والذوات المستعدة القابلة لنيل الفيوضات الإلهية ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ﴾ ويخذله بسبب خبث ذاته ، وقساوة قلبه ، ورذالة صفاته وأخلاقه ﴿فَما لَهُ﴾ بعد الله ﴿مِنْ هادٍ﴾ يهديه إلى الحقّ ويخلّصه من ورطة الضلال.
روى عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « إذا اقشعرّ جلد العبد من خشية الله ، تحاتّت عنه ذنوبه ، كما يتحاتّ عن الشجرة اليابسة ورقها » وفي رواية اخرى : « حرّمه الله على النار » (٣).
« وعن عبد الله بن عبد الله بن الزبير ، قال : قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر : كيف كان أصحاب رسول الله يفعلون إذا قرئ القرآن عليهم ؟ قالت : كانوا كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم. قال : فقلت لها : إنّ ناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خرّ أحدهم مغشيا عليه. فقالت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم » (٤).
﴿أَ فَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ
تَكْسِبُونَ * كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ *
فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا
يَعْلَمُونَ (٢٤) و (٢٦)﴾
ثمّ لمّا بيّن الله سبحانه عجز جميع الخلق عن هداية من أراد الله ضلالته ، بيّن عجز الضالّ عن دفع العذاب عن نفسه في الآخرة بقوله : ﴿أَفَمَنْ﴾ قيل : إنّ التقدير أكل الناس سواء (٥) ؟ فمن ﴿يَتَّقِي﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٨ : ٩٨.
(٢) الكشاف ٤ : ١٢٤ ، تفسير الرازي ٢٦ : ٢٧٣.
(٣) تفسير روح البيان ٨ : ١٠٠.
(٤) تفسير روح البيان ٨ : ١٠٠.
(٥) تفسير أبي السعود ٧ : ٢٥٢ ، تفسير روح البيان ٨ : ١٠١.